قال ابن عباس : والمراد ب « الذين آمنوا » هم الذين آموا قبل [ مبعث ] محمد بعيسى ﷺ مع البراءة عن أباطيل اليهود مثل قَسّ بن سَاعِدة، وبحيرى الراهب، وحبيب النَّجَّار، وزيد بن عمرو بن نُفَيل، وَورقَة بن نَوْفَل وسلمان الفَارِسي، وأبو ذر الغفاري، وخَطَر بن مَالِك، ووَفْد النجاشي، فكأنه قال : إن الذين آمنوا قبل مبعث محمد، والذين كانوا على الأديان الباطلة كلّ من آمن منهم بعد مبعث محمد ﷺ بالله واليوم الآخر ومحمد، فلهم أجرهم.
وقال سفيان الثوري : المراد من قوله :« الذين آمنوا » هم المنافقون؛ لأنهم يؤمنون باللّسَان دون القَلْبِ، ثم اليهود والنصارى والصَّائبون، فكأنه قال : هؤلاء المُبطلون كل من آمن منهم بالإيمان الحقيقي، فلهم أجرهم.
وقال المتكلمون : المراد أنَّ الذين آمنوا بمحمد ﷺ في الحقيقة، وهو عائد إلى الماضي، ثم قوله :« من آمن بالله » يقتضي المستقبل، فكأنه قال : إن الذين آمنوا في الماضي، وثبتوا عليه في المستقبل.
و « هَادُوا » في ألفه قولان :
أحدهما : أنه من واو، والأصل « هَادَ يَهُود » أي : تاب؛ قال الشاعر [ السريع ]
٥٤٩................ | إنِّي امْرُؤٌ مِنْ حُبِّهِ هَائِدُ |
[ قاله ] ابن عباس.
وقيل : هو من التهويد، وهو النطق في سكون ووَقَارٍ؛ وأنشدوا :[ الطويل ]
٥٥٠ وَخُودٌ مِنَ اللاَّئِي تَسَمَّعْنَ بِالضُّحَى | قَرِيضَ الرُّدَافَى بِالغِنَاءِ المُهَوِّدِ |
الثاني : أنها من ياء، والأصل :« هَادَ يَهِيد »، أي : تَحَرَّك، ومنه سمي اليهود؛ لتحركهم في دراستهم، قاله أبو عمرو بن العلاء.
وقيل : سموا يهوداً نسبة ليَهُوذَا بالذال المعجمة وهو ابن يَعْقُوب ﷺ، فغيَّرته العرب بالدّال المهملة، جرياً على عادتها في التلاعب بالأسماء الأعجمية، فعرب ونسب الواحد إليه، فقيل يَهُودِيّ، ثم حذف الياء في الجمع، فقيل يَهُود.
وكل جمع منسوب إلى جنس، فهو بإسقاط ياء النسب؛ كقولهم في « زِنْجِيّ » : زَنْجٌ، وفي « رُومِيّ » : رُوم أيضاً. وهيادا : إذا دخل في اليهودية، وتهوَّد إذا [ نسبه إليهم ] وهوّد إذا دعا إلى اليهودية.
والنَّصَارى جمع واحده « نَصْرَان »، و « نَصْرَانة » ك :« نَدْمَان ونَدمانة ونَدَامَى »، قاله سيبويه؛ وأنشد :[ الطويل ]
٥٥١ فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأَسْجَدَ رَأْسُهَا | كَمَا أَسْجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ |