قال :« لأن الجبل لم يكن فوقهم وقت الرفع، وإنما صار فوقهم بالرفع ».
ولقائل أن يقول : لم لا تكون حالاً مقدرة، وقد قال هو في قوله :﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ إنها حال مقدرة كما سيأتي.
و « الطور » اسم [ لكلّ ] جبل، وقيل :[ لما ] أَنْبَتَ منها خاصة دون ما لم ينبت، وهل هو عربي أو سُرْيَانيّ قولان.
وقيل : سمي بطور بن إسماعيل ﷺ ؛ وقال العَجَّاج :[ الرجز ]
٥٥٧ دَانَى جَنَاحَيْهِ مِنَ الطُّورِ فَمَرّ | تَقَضِّيَ البَازِي إذا البَازِي كَسَرْ |
وقال ابن عباس : أمر الله جبلاًُ من جبال « فلسطين »، فانقلع من أصله حتى قام فوقهم كالظُّلة، وبعث ناراً من قبل وجوههم، وأتاهم البحر الملح من خلفهم، وقيل لهم : خذوا ما آتيناكم، أي : اقبلوا ما أعطيناكم وإلاَّ رضختكم بهذا الجبل، وغرقتكم في هذا البحر، وأحرقتكم بهذه النار فلما رأوا أن لا مهرب منه قلوا ذلك، وسجدوا خوفاً، وجعلوا يلاحظون الجبل، وهم سجود، فصارتْ سُنّة في اليهود لا يسجدون إلاَّ على أنصاف وجوههم.
قوله :« خذوا » في محل نصب بقول مضمر، أي : وقلنا لهم : خذوا، وهذا القول مضمر يجوز أن يكون في محل نصب على الحال من فاعل « رفعنا » والتدقير : ورفعنا الطور قائلين لكم خذوا. وقد تقدّم أن خذ محذوف الفاء أن الأصل : اؤخذ، عند قوله :﴿ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً ﴾ [ البقرة : ٣٥ ].
قوله :﴿ مَآ آتَيْنَاكُم ﴾ مفعول « خذوا »، و « ما » موصولة بمعنى الذي لا نكرة موصوفة، والعائد محذوف أي : ما آتيناكموه.
قوله :« بقوة » في محل نَصْبٍ على الحال، وفي صاحبها قولان :
أحدهما : إنه فاعل « خذوا » وتكون حالاً مقدرة، والمعنى : خذوا الذي آتيناكموه حال كونكم عازمين على الجدّ في العمل به.
والثاني : أنه ذلك العائد المحذوف، والتقدير : خذوا الذي آتيناكموه في حال كونه مشدداً فيه أي : في العمل به، والاجتهاد في معرفته.
قوله :« ما فيه » الضمير يعود على « ما آتيناكم » أي : أذكروا ما في الكتاب، واحفظوه وادرسوه، ولا تغفلوا عنه، ولا يحمل على الذكر الذي هو ضدّ النسيان؛ لأنه ليس من فعل العبد، فلا يجوز الأمر به، وفي حرف « أُبَيِّ » « واَّكِرُوا » بذال مشددة وكسر الكاف، وفي حرف عبد الله « وتَذَكَّروا مَا فِيهِ » [ ومعناه ] : اتّعظوا به.
قوله :﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ أي : لكي تتقوا فتنجوا من الهلاك في الدنيا، والعذاب في العقبى.
قوله :﴿ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ ﴾ التولّي تفعل من الوَلْي، وأصله : الإعراض والإدبار عن الشَّيء بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأوامر والمعتقدات اتساعاً ومجازاً وذلك إشارة إلى ما تقدم من رفع الطُّور، وايتاء التوراة.