﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ الليل وَقُرْآنَ الفجر ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ].
والمراد بالقرآن القراءة، والتقدير : أقم قراءة الفجر، وظاهر الأمر الوجوب.
الثاني : عن أبي الدَّرْدَاء -رضي الله تعالى عنه- أن رجلاً سال النبي ﷺ فقال : أفي الصَّلاَةِ قِراءةٌ فقال :« نَعَمْ » فقال السائل : وجبت، فأقر النبي ﷺ ذلك الرجل على قوله :« وَجَبَتْ ».
الثالث : عن ابن مَسْعُودٍ : رضي الله تعالى عنه- أن النبي ﷺ سُئِلَ : أيقرأ في الصلاة؟ فقال ﷺ :« أَتَكُونُ صَلاَةً بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ »، هذان الخبران نقلهما من تعليق الشيخ أبي أحمد الإسفرايني «.
وحجّة الأصم -رحمه الله تعالى- قوله ﷺ :» صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلّي « جعل الصلاة من الأشياء المرئية، والقراءة ليست مرئية، فوجب كونها خارجةً عن الصلاة، والجواب : أنّ الرؤية إذا كانت متعديةً إلى مفعولين كانت بمعنى العلم.
فصْلٌ
قال الشافعي -رحمه الله تعالى- : قراءة الفاتحة واجبةٌ في الصلاة، فإن ترك منها حرفاً واحداً وهو يحسنها لم تصحّ صلاته، وبه يقال الأكثرون.
وقال أبو حنيفة -رضي الله تعالى عنه- : لا تجب قراءة الفَاتِحَةِ.
لنا وجوه :
الأول : انه -عليه الصّلاة والسلام- وَاظَبَ طول عمره على قراءة الفاتحة في الصَّلاة، فوجب علينا ذلك، لقوله تعالى :﴿ واتبعوه ﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ]، ولقوله :﴿ فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ [ النور : ٦٣ ]، ولقوله تعالى :﴿ فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله ﴾ [ آل عمران : ٣١ ].
ويا للعجب من أبي حنيفة -رضي الله تعالى عنه- انه تمسّك في وجوب مسح النّاصية بخبر واحدٍ، في أنه -E- مسح على النّاصية، فجعل ذلك القَدْرَ من المسح شرطاً لصحة الصلاة، وها هنا نقل أهل العلم نقلاً متواتراً أنه -E- واظب على قراءة الفاتحة، ثم قال : إن صحّة الصَّلاةِ غير موقوفةٍ عليها، وهذا من العَجَائب.
الثاني : قوله تعالى :﴿ وَأَقِيمُواْ الصلاة ﴾ [ البقرة : ٤٣ ]، والصلاة لفظ مُحَلّى بالألف واللام، فيكون المراد منها المعهود السَّابق، وليس عند المسلمين معهودٌ سابق من لفظ الصَّلاةِ إلى الأعمال التي كان رسول الله ﷺ يأتي بها.
وإذا كان كذلك كان قوله تعالى :﴿ وَأَقِيمُواْ الصلاة ﴾ جارياً مجرى أمره بقراءة الفاتحة، وظاهر الأمر الوجوب، ثم إنّ هذه اللَّفظة تكررت في القرآن الكريم أكثر من مائة مرة، فكان ذلك دليلاً قاطعاً على وجوب قراءة الفَاتِحَةِ في الصَّلاةِ.
الثالث : أنّ الخلفاء الراشدين -رضي الله تعالى عنهم- واظبوا على قراءتها طول عمرهم، ويدلُّ عليه ما روي في » الصّحيحين « أن النَّبي -E- وأبا بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما- كانوا يستفتحون القراءة ب ﴿ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾، وإذا ثبت هذا وَجَب علينا ذلك، لقوله ﷺ :