« عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ من بَعْدِي ».
ولقوله ﷺ :« اقْتَدُوا باللَّذينِ مِنْ بَعْدِي : أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ » رضي الله عنهما.
والعجب من أبي حنيفة -C- أنه تمسّك بطلاق الفَارّ بأثر عثمان -Bه- مع أن عبد الرحمن، وعبد الله بن الزبير -Bهما- كانا يخالفانه- ونص القرآن أيضا يوجب عدم الإرْث، فلم يتمسّك بعمل [ كل ] الصحابة -Bهم- على سبيل الإطباق، والاتفاق على وجوب قراءة الفاتحة، مع أن هذا القول على وَفْقِ القرآن، والإخبار، والمعقول!
الرابع : أن الأمّة [ وإن ] اختلفت في أنه هل تجب قراءة الفاتحة أم لا؟ لكنهم اتفقوا عليه في العَمَل فإنك لا ترى أحدا من المسلمين في العرف إلا ويقرأ الفاتحة في الصَّلاة، وإذا ثَبَتَ هذا فنقول : إنَّ من صَلَّى ولم يقرأ الفاتحة كان تاركاً سبيل المؤمنين، فيدخل تحت قوله تعالى :﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين ﴾ [ النساء : ١١٥ ] فإن قالوا : إنَّ الذين اعتقدوا انَّه لا يَجِب قراءتها قَرَءُوهَا لا عن اعتقاد الوجوب، بل على اعتقاد النّدبية، فلم يحصل الإجماع على وجوب قرَاءتها.
فنقول : أعمال الجوارح غير أعمال القلوب، ونحن قد بيَّنَّا إطباق الكُلُّ على الإتيان بالقراءة، فمن لم يَأْتِ بالقراءة كان تاركاً طريقة المؤمنين في هذا العَمَل فدخل تَحْتَ الوَعِيدِ، وهذا القدر يكفينا في الدَّليلِ، ولا حاجة في تقرير هذا الدَّليل إلى ادّعاء الإجماع في اعتقاد الوجوب.
الخامس : قوله عزَّ وجَلَّ :« قسمتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وبَْنَ عَبْدِي نِصْفَيْن، فإذا قَالَ العَبْدُ :﴿ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾ يقول الله تَعَالى : حَمِدَنِي عَبْدِي... »، إلى آخر الحديث.
وجه الاستدلال : أنه -تَعَالى- حكم على كل صلاة بكونها بينه وبين العبد نصفين، ثم بين أنّ هذا التصنيف لم يحصل إلا بسبب هذه السورة، ولازم اللازم لازم، فوجب كون هذه السورة من لوازم الصلاة، وهذا اللزوم لا يحصل إلا إذا قلنا : قراءة الفاتحة شرط في صحّة الصلاة.
السَّادس : قوله ﷺ :« لا صَلاَةَ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ ».
قالوا : حرف النفي دخل على الصَّلاة، وليس صرفه إلى الصِّحة أولى من صرفه إلى الكمال.
والجواب من وجوه :
الأول : أنه جاء في بعض الرِّوَايات :« لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ »، وعلى هذه الرواية فالنَّفي ما دخل على الصَّلاة، وإنما دخل على حصولها للرَّجل، وحصولها للرجل عبارة عن انتفاعه بها، وخروجه عن عُهْدَةِ التَّكْليف بسببها، وعلى هذا التَّقدير فإنه يمكن إجراء حرف النَّفي على مُسَمَّى الصلاة إنما يصح لو ثبتَ أن الفَاتحَةَ ليست جزءاً من الصّلاة، وهذا [ هو ] أول المسألة، فثبت أن قولنا : يمكن إجراء هذه اللفظة على أنه معنى تعذَّر العمل بالحقيقة، وحصل للحقيقة مجازان أحدهما : أقرب إلى الحقيقة، والثاني : أبعد؛ فإنه يجب حمل اللَّفظ على المَجَاز الأقرب.