إذا ثبت هذا فنقول : المُشَابهة بين المعدوم، وبين الموجود الذي يكون صحيحاً [ أتم من المُشابَهةَ بين المعدوم وبين لموجود الذي لا يكون صحيحا ]، لكنه لا يكون كاملاً، فكان حمل هذا اللَّفظ على نفي الصِّحة أولى.
الحُجَّة السَّابعة : عن أ [ ي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي ﷺ أنه قال :« كُلّ صَلاَةٍ لم يقرأ فيها بِأُمِّ القُرْآنِ فهي خِدَاج، فهي خداج » أي غير تمام، قالوا : الخِدّاجُ هو النقصان، وذلك لا يدل على عدم الجواز.
قلنا : بل هذا يدلّ على عدم الجواز؛ لأن التكليف بالصَّلاةِ دائم، والأصل في الثابت، البقاء، خالفنا هذا الأصل عند الإتيان بالصَّلاة على صفة الكَمَالِ، فعند الإتيان بها على سبل النُّقصان يوجب ألاّ يخرج عن العُهْدَةِ، والذي يقوي هذا أنَّ عند أبي حنيفة -Bه- يصح الصوم يوم العيد إلا أنه قال : لو صام يوم العيدِ قضاء عن رَمَضَان لم يصح؛ لأن الواجب عليه هو الصُّوم الكامل، والصوم في هذا اليوم ناقص، فوجب ألا يفيد هذا للقضاء الخروج عن العُهْدَة.
وإذا ثبت هذا فنقول : فلم لم يقل بمثل هذا الكلام ها هنا؟
الحُجَّة الثامنة : نقل الشيخ أبو حامد في « تعليقه » عن ابن المُنْذِرِ أنه روى بإسناده عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي ﷺ قال :« لا تُجْزِىء صَلاَةٌ لا يُقْرَأ فيها بِفَاتِحَةِ الكِتَاب ».
الحجّة التاسعة : روى رفاعة بن مالك -Bه- أن رَجُلاً دخل المَسْجِد فصلّى، فلما فرغ من صلاته، ذكر في الخبر أن للرجل قال : علّمني الصَّلاة يا رسول الله، فقال ﷺ :« إذا تَوَجَّهْتُم إلى القِبْلَةِ فَكَبَّرُوا، واقْرَءُوا بفاتحة الكِتَاب »، وهذا أمر، والأمر للوجوب.
الحُجّة العاشرة : روي أن النبي ﷺ قال :« ألا أخبركم بِسُورَةٍ ليس في التَّوْرَاة ولا في الإِنْجِيل ولا في الزَّبُور مثلها » قالوا : نعم، قال :« فما تقرءونه في صَلاَتكم » ؟ فقالوا : الحمد لله ربّ العالمين، قال :« هِيَ هِيَ ».
وجه الدليل : أنه -E- لما قال :« ما تَقْرَءُونَهُ في صلاتكم » قالوا : الحمد لله رب العالمين، وهذا يدل على أنه كان مشهوراً عند الصحابة -Bهم- أنه لا يصلي أحد إلاّ بهذه السورة، فكان هذا إجماعاً معلوماً عندهم.
الحُجَّة الحادية عشرة : التمسُّك بقوله تعالى :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فهذا أمر، والأمر للوجوب، فهذا يقتضي أن قراءة ما تَيَسَّرَ من القرآن واجبةٌ.
فنقول : المراد بما تيسّر من القرآن، إما أن يكون هو الفاتحة بعينها واجبة، وهو المطلوب وإمّا يقتضي أن قراءة غير الفاتحة واجبة، وذلك باطل بالإجماع، أو يقتضي التخيير بين قراءة الفاتحة، وبين قراءة غيرها وذلك باطل بالإجماع، لأن الأمّة مجمعةٌ على أن قراءة الفاتحة أولى من قراءة غيرها.


الصفحة التالية
Icon