وسلم أبو حنيفة أن الصلاة بدون قراءة الفاتحة خِدَاجٌ ناقصة، والتخيير بين النقائص والكامل لا يجوز.
واعلم أنه إنما سمى قراءة الفاتحة لما تيسّر من القرآن؛ لأن هذه السّورة محفوظة لجميع المكلّفين من المسلمين، فهي متيسّرة للكل، أما سائر السُّور فقد تكون محفوظة، وقد لا تكون، وحينئذٍ لا تكون متيسّرة للكلّ.
الحُجّة الثَّانية عشرة : الأصل بقاءُ التكليف، فالقولُ بأنَّ الصَّلاةَ بدون قراءة الفاتحة يقتضي الخروج عن العهدة، إما أنْ يعرف بالنَّص أو بالقياس.
أما الأول فباطل.
[ لأن النص الذي تمسكوا به قوله تعالى :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾ وقد بينا أنه دليلنا. وأما القياس ] فباطل؛ لأن التعبدّات غالبة على الصَّلاَة، وفي مثل هذه الصورة يجب ترك القياس.
الحُجّة الثالثة عشرة : أن النبي -E- وَاظَبَ على الصَّلاة بها طول عمره، فيكون قراءة غير الفاتحة ابتداعاً وتركاً للاتباع، وذلك حرام لقوله ﷺ :« اتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا »، و « أَحْسَن الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرّ الأمُورِ مثحْدَثَاتُهَا ».
واحتج أبو حنيفة -رضي الله تعالى عنه- بالقرآن والخبر.
أما القرآن الكريم فقوله تبارك وتعالى :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾.
وأما الخبر فما روى أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنهما- قال « أمرني رسول الله ﷺ أن أخرج وأنادي : لاَ صَلاَةَ إلا بِقَرَاءَةٍ، ولو بفاتحة الكِتَاب ».
والجواب عن الأول : أنا بيّنا أنّ هذه الآية من أقوى الدلائل على قولنا.
وعن الثاني : أنه معارض بما نقل عن أبي هريرة، وأيضاً لا يجوز أن يقال : المراد من قوله :« لا صَلاَةَ إلا بقراءة، ولو بفاتحة الكتاب » وهو أنه لو اقتصر على الفاتحة لكفى.

فصل في بيان هل التسمية آية من الفاتحة أم لا؟


قال الشافعي -Bه- : التّسمية آية من الفاتحة، ويجب قراءتها مع الفاتحة، وقال مالك والأوزاعي، -رضي الله تعالى عنهما- : إنها ليست من القرآن إلاّ في سورة النَّمل، ولا يجب قراءتها سرّا ولا جهراً، إلاّ في قيام شهر رمضان، فإنه يقرؤها.
وأما أبو حنيفة -C- فلم ينص عليها، وإنما قال : يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ويُسِرّ بها، ولم يقل : إنها آية من أول السورة أم لا.
قال : سُئل محمد بن الحسن -C- عن « بسم الله الرحمن الرحيم » فقال : ما بين الدّفَّتَيْنِ كلام الله -D- القرآن.
قلت : فَلِمَ يُسَرُّ بها؟ فلم يجبني.
وقال الكَرْخي -رحمه الله تعالى- : لا أعرف هذه المسألة بعينها لمتقدّمي أصحابنا، إلا أن أمرهم بإخفائها يدل على أنها ليست من السورة.


الصفحة التالية
Icon