ويحتمل أن يكون المراد « أعوذ بالله أن أكُونَ من الجَاهِلِين » بما في الاستهزاء في أمر الدين من العقاب الشديد، والوعيد والعظيم، فإني متى علمت ذلك امتنع إقْدَامي على الاستهزاء.
وقال بعضهم : إن نفس الهزوّ قد يسمى جهلاً وجهالة، فقد روي عن بعض أهل اللُّغة أن الجَهْل ضدّ الحلم، كما قال بعضهم : إنه ضدّ العلم.
قوله :« أَنْ أَكُونَ » أي من أن أكون، فيجيء فيه الخلاف المعروف.
و « مِنَ الْجَاهِلِيْنَ » خبرها، وهو أبلغ من قولك : أن أكون جاهلاً. فإن المعنى أنّ انتظم في سلك قوم اتصفوا بالجهل.
قوله :« قَالُوا : ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ » ف « يبيّن » مجزوز على جواب الأمر كقوله :﴿ فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا ﴾ [ البقرة : ٦١ ].
قوله :« مَا هِيَ »، « ما » استفهامية في محلّ رفع بالابتداء، تقديره : أي شيء هي؟ وما [ الاستفهامية ] يطلب بها شرح الاسم تارة، نحو : ما العَنْقَاء؟ وماهية المسمى أخرى، نحو : ما الحركة؟.
وقال السكاكي :« يسأل ب » ما « عن الجنس، تقول : ما عندك » أي : أيّ أجناس الأشياء عندك؟ وجوابه « كتاب » ونحوه، أو عن الوصف، تقول : ما زيد؟ وجوابه :« كريم »، وهذا هو المراد في الآية.
و « هي » ضمير مرفوع منفصل في محلّ رفع خبراً ل « ما » والجلمة في محلّ نصب ب « يبيّن » ؛ لأنه معلّق عن الجلمة بعده، وجاز ذلك، لأنه شبيه بأفعال القلوب.
قوله :« لاّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ » لا « نافية » ن و « فارض » صفة ل « بقرة ».
واعترض ب « لا » بين الصفة والموصوف، نحوك « مررت برجل لا طويل ولا قصير ».
وأجاز أبو البقاء : أن يكون خبر المبتدأ محذوف، أي : لا هي فَارِضٌ.
وقوله :« ولا بِكْر » مثل ما تقدّم.
وتكررت « لا » لأنها متى وقعت قبل خبر، أو نعت، أَو حال وجب تكريرها تقول :« زيد لا قائم ولا قاعد »، و « مررت به لا ضحاكاً ولا باكياً ».
ولا يجوز عدم التكرار إلا في ضرورة خلاقاً للمبرّد وابن كَيْسَان؛ فمن ذلك :[ الطويل ]
٥٦٨ وَاَنْتَ امْرُؤٌ مِنَّا خُلِقْتَ لِغَيْرنا
حَيَاتُكَ لاَ نَفْعُ ومَوْتُكَ فَاجِعُ
وقوله :[ الطويل ]
٥٦٩ قَهَرْتُ الْعِدَا لاَ مُسْتَعِيناً بِعُصْبَةٍ
وَلَكِنْ بَأَنْواعِ الْخَدائِعِ وَالمَكْرِ
فلم يكرهها في الخبر، ولا في الحال.
و « الفارض » : المُسِنّة الهَرِمَة، قال الزمخشريُّ : كأنها سميْت بذلك؛ لأنها فَرَضَتْ سِنَّها، أي : قَطَعَتْهَا وبلغت آخرها؛ قال :[ الطويل ]