قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه : من لبس نعلاً صفراء قلْ همه؛ لأن الله تعالى يقول :﴿ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ الناظرين ﴾.
قال الكسائي؛ يقال : فَقَع لونها يَفْقَعُ فُقُوعاً، إذا خَلَصَت صفرته، والإفْقَاع : سوء الحال، وفَوَاقِعُ الدهر : بَوَائِقُه، وفَقَّع بأصابعه : إ ذا صوَّت، ومنه حديث أبن عباس :« نَهَى عن التَّفقيع في الصلاة »، وهي الفرقعة، هي غَمْزُ الأصابع حتى تُنْقِض، قاله القرطبي.
واختلفوا هل كانت جميعها صفراء حتى قُرونها وأظلآفها، أو الصفرة المعتادة؟ قولان. وفي قوله « فاقع » لطيفة، وهي أنه وصفها باسم الفاعل الذي هو نعت للدوام والاستمرار. يعني : في الماضي والمستقبل.
وفي قوله :« تَسُرُّ » لطيفةٌ، وهي أنه أتى بصيغة المضارع وهو يقتضي التجدُّد والحدوث، بخلاف الماضي.
وفي قوله :« النَّاظرين » آية لطيفة، وهي أنه أتى بصيغة الجمع المُحَلّى بالألف واللام، ليعمّ كلّ ناضر منفردين ومجتمعين.
وقيل : المراد بالنظر نظر البصر للمرء والمرأة أو المراد به النظر بعين اليقين، وهو التفكر في المخلوقات.
قوله :﴿ تَسُرُّ الناظرين ﴾ جلمة في محل رفع صفة ل « بقرة » أيضاً، وقد تقدم أنه يجوز أن تكون خبراً عن « لونها » بالتأويلين المذكورين.
و « السرور » لذّة في القلب عند حصول نفع أو توقّعه، ومنه [ السرير ] الذي يُجْلس عليه إذا كان لأولي النعمة، وسرير الميت تشبيهاً به في الصورة وتفاؤلاً بذلك.
قوله :﴿ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِيَ ﴾ تقرير للسؤال عن حالها وصفتها، واستكشاف زائد، ليزدادوا بياناً لوصفها، وفي مصحف عبد الله :« سل لنا ربك يبين لنا ما هي؟ وما صفتها ».
قوله :﴿ إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا ﴾ البَقَر : اسم إن، وهو اسم جنس كما تقدم.
وقرأ محمد ذو الشامة الأموي :« إنّ البَاقِرَ » وهو جمع البَقَر ك « الجَامِل » جماعة الجَمَل؛ قال الشاعر :[ الكامل ]

٥٨٤ مَالِي رَأَيْتُكَ بَعْدَ عَهْدِكَ مُوحِشاً خَلِقاً كَحَوْضِ البَاقِرِ المُتَهَدِّمِ
قال قطرب :« يقال لجمع البقرة : بَقَر وبَاقِر وبَاقُور وبَيْقُور ».
وقال الأَصْمَعِيّ :« الباقر » جمع باقرة، قال : ويجمع بقر على بَاقُورة، حكاه النّحاس.
قال القرطبي : والباقر والبقر والبيقور والبقير لُغَات بمعنى واحد والعرب تذكره وتؤنثه، وإلى ذلك ترجع معاني القراءات في « تشابه ».
و « تشابه » جملة فعلية في محلّ رفع خبر ل « إن »، وقرىء :« تَشَّابَهُ » مشدَّداً ومخفَّفاً، وهو مضارع الأصل :« تَتَشَابَهُ » بتاءين، فَأُدْغِمَ تارةً، وحذف منه أخرَى، وكلا الوجهين مقيس.
وقرىء أيضاً :« يَشَّابَهُ » بالياء من تحت، [ وأصله : يَتَشَابَهُ فأدغم أيضاً، وتذكير الفعل وتأنيثه جائزات؛ لأن فاعله اسم جنس ] وفيه لغتان : التذكيرُ والتأنيثُ، قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon