وهذا الذي نقله عن المبرد هو المنقول عن سيبويه، والذي نقله عن سيبويه قريبٌ مما نقل عن الكوفيين وأبي زيد من أنه يجوز تقديم جواب الشَّرْط عليه، وقد ردّ عليهم البصريون بقول العرب :« أنت ظالم إن فعلت ».
إذ لو كان جواباً لوجب اقترانه بالفاء لما ذكرت ذلك.
وأصل « مُهْتَدُون » :« مُهْتَدِيُون »، فأعلّ بالحذف، وهو واضح.
فصل في الاستثناء بالمشيئة
قال الحسن رضي الله تعالى عنه عن رسول الله ﷺ :« وَالَّذِي نَفْسَ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ يَقُولُوا : إنْ شَاءَ اللهُ لَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا أَبَداً ».
واعلم أن التلّفظ بهذه الكلمة مندوب إليه في كلّ عمل يراد تحصيله، قاله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً ٠ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ [ الكهف : ٢٣، ٢٤ ].
وفيه استعانة بالله وتفويض الأمور إليه، والاعتراض بقدرته.
فصل في الإرادة الكونية
احتج أهل السُّنة بهذه الآية على أن الحوادث بأسرها مرادة لله تعالى.
وعند المعتزلة أن الله تعالى لما أمرهم بذلك، فقد أراد اهتداءهم لا مَحَالَة، وحينئذ لا يبقى لقولهم :« إنْ شاء الله » فائدة.
قال ابن الخطيب : أما على قول أصحابنا، فإن الله تعالى قد يأمر بما لا يريد فحينئذ يبقى لقولهم :« إن شاء الله » فائدة.
فصل في مذهب المعتزلة في المشيئة
احتج المعتزلة بهذه الآية على أن مشيئة الله تعالى محدثة من وجهين :
الأول : أن دخول حرف « إن » يقتضي الحدوث.
الثاني : أنه تعالى علّق حصول الاهتداء على حصول مشيئة الاهتداء، فلم لم يكن حصول الاهتداء أزليًّا وجب ألاّ تكون مشيئة الاهتداء أزلية.
فصل في تقدير المشيئة
ذكر القفال في تقدير هذه المشيئة وجوهاً :
أحدها : وإنا بمشيئة الله نهتدي للبقرة المأمور بذبحها عند تحصيل أوصافها المميزة لها عن غيرها.
وثانيها : وإنا إن شاء الله تعريفها إيَّانا بالزيادة لنا في البيان نهتدي إليها.
وثالثها : وإنا إن شاء الله على هدى، أي : في استقصائنا في السّؤال عن أوصاف البقر، أي إنّا لسنا على ضلالة فيما نفعل من هذا البحث.
ورابعها : إنا بمشيئة الله نَهْتَدِي للقاتل إذا وصفت لنا هذه البقرة بما تمتاز به عن غيرها.