قال القرطبي : وفي هذا الاستثناء إنابةٌ وانقياد، ودليل نَدَم على عدم موافقة الأمر. وتقدير الكلام : وإنما لمهتدون إن شاء الله.
فقدم على ذكر الاهتداء اهتماماً به.
قوله :﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ ﴾ المشهور « ذَلُولٌ » بالرفع على أنها صفة ل « بقرة »، وتوسطت « لا » للنفي كما تقدم في « لاَ فَارِض »، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي : لا هي ذلول، والجملة من هذا المبتدأ أو الخبر في [ محل ] رفع صفة ل « بقرة ».
وقرىء :« لاَ ذَلُولَ » بفتح اللام على أنها « لا » التي للتَّبرئة والخبر محذوف تقديره : لا ذلولَ ثَمَّ أو ما أشبهه، وليس المعنى على هذه القراءة، ولذلك قال الأخفس :« لا ذلول نعت، ولا يجوز نصبه ».
و « الذَّلول » : التي ذُلِّلَت بالعمل، يقال : بقرة ذَلُوث بَيِّنَةٌ الذِّل بكسر الذال، ورجل ذَليل : بين الذُّل بضمّها، وقدم عند قوله :﴿ الذلة ﴾ [ البقرة : ٦١ ].
[ قوله ] :﴿ تُثِيرُ الأرض ﴾ في هذه الجملة أقوال كثيرة : أظهرها : أنها في محلّ نصب على الحال من الضمير المستكن في « ذلول » تقديره : لا تُذَلُّ حال إثارتها.
وقال ابن عطية : وهي عند قوم جملة في موضع الصفة ل « بقرة » أي : لا ذلولٌ مثيرة.
وقال أيضاً :« ولا يجوز أن تكون هذه الجملة في موضع الحال، لأنها نكرة ».
أما قوله : في موضع الصفة فإنه يلزم منه أن البقرة كانت مثيرة للأرض، وهذا الم يقل به الجمهور، بل قال به بعضهم، وسيأتي إن شاء الله.
وأما قوله : لا يجوز أن تكون حالاً يعني من « بقرة » ؛ لأنها نكرة.
فالجواب : أنَّا لا نسلم أنها حال من « بقرة »، بل من الضمير في « ذلول » كما تقدم، أو تقول : بل هي حال من النكرة؛ لأن النكرة قد وصفت وتخصصت بقوله :« لا ذَلُول »، وإذا وصفت النكرة ساغ إتيان الحال منها اتفاقاً.
وقيل : إنها مستأنفة، [ واستئنافها على وجهين :
أحدهما : أنها خبر مبتدأ محذوف، أي : هي تثير.
والثاني : أنها مستأنفة ] بنفسها من غير تقدير مبتدأ، بل تكون جملة فعلية ابْتُدِىءَ بها لمجرد الإخبار بذلك. وقد منع من القول باستئنافها جماعة منه الأخْفَشُ عليّ بن سليمان، وعلل ذلك بوجهينك
أحدهماك أن بعده :« وَلاَ تَسْقِي الحَرْثَ » فلو كان مستأنفاً لما صحّ دخول « لا » بينه وبين « الواو ».
والثّانيك إنها لو كانت تثير الأرض لكانت الإثارة قد ذللتها، والله تعالى نفى عنها ذلك بقوله :« لا ذَلُول » وهذا المعنى هو الذي منع أن يكون « تُثِير » صفة ب « بقرة » ؛ لأن اللازم مشترك، ولذلك قال أبو البقاء : ويجوز على قول مَنْ أثبت هذا الوجه [ يعني : كونه تثير الأرض ولا تسقي أن تكون « تثير » في موضع رفع صفة ل « بقرة ».