وقد أجاب بعضهم عن الوجه الثاني ]، فإن إثارة الأرض عبارة عن مَرَحِهَا ونَشَاطِهَا؛ كما قال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٥٨٧ يُهِيلُ ويُذْرِي تُرْبَهُ وَيُثِيرُهُ إِثَارَةَ نَبَّاثِ الهَوَاجِرِ مُخْمِسِ
أي : تثير الأرض مرحاً ونشاطاً لا حَرثاً وعملاً.
وقال أبو البقاء : وقيل : هو مستأنف، ثم قال : وهو بعيد عن الصّحة لوجهين :
أحدهما : أنه عطف عليه قوله :« وَلاَ تَسْقِي الحَرْثَ »، فنفى المعطوف، فيجب أن يكون المعطوف عليه كذلك؛ لأنه في المعنى واحد، ألا ترى أنك لا تقول : مررت برجل قائم ولا قاعد، بل تقول : لا قاعد بغير واو، كذلك يجب أن يكون هذا.
وذكر الوجه الثاني لما تقدم، وأجاز أيضاً أن يكون « تثير » في محلّ رفع صفة ل « ذلول »، وقد تقدم خلاف هل يوصف الوصف أم لا؟
فهذه ستة أوجه تلخيصها : أنها حال من الضمير في « ذَلُول »، أو من « بقرة »، أو صفة ل « بقرة »، أو ل « ذلول »، أو مستأنفة بإضمار مبتدأ، أو دونه.
قوله :﴿ وَلاَ تَسْقِي الحرث مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا ﴾ الكلام فيه هذه كالكلام فيما قبلها من كونها صفة ل « بقرة »، أو خبر لمبتدأ محذوف.
وقال الزمخشري : و « لا » الأولى للنفي يعني الدَّاخلة على « ذلول ».
والثانية مزيدة لتأكيد الأولى؛ لأن المعنى : لا ذلول تثير [ الأرض ] وتسقي، على أن الفعلين صفتان ل « ذَلُول »، كأنه قيل : لا ذلول مثيرة وساقية.
وقرىء :« تُسْقى » بضم التاء من « أَسْقى ».
وإثارة الأرض : تحريكها وبَحْثُهَا، ومنه :﴿ وَأَثَارُواْ الأرض ﴾ [ الروم : ٩ ] أي : بالحَرْث والزراعة، وفي الحديث :« أَثِيرُوا القُرْآنَ فَإِنَّهُ عِلْمُ الأَوَّلِينَ وَالأَخِرِينَ ».
وفي رواية :« مَنْ أَرَادَ العِلْمَ فَلْيُثوِّرِ القُرْآن ».
وجملة القول أن القرة لا يكون بها نَقْص، فإن الذلول بالعمل لكونها تثير الأرض، وتسقي الحرث لابد وأن يظهر بها النقص.
قال القرطبي : قال الحسن : وكانت تلك البقرة وَحْشٍية، ولهذا وصفها الله تعالى بأنها لا تثير الأرض، ولا تسقي الحرث.
وقال : الوقف هاهنا حسن.
و « مُسَلَّمة » قيل : من العيوب مطلقاً.
وقيل : من آثار العمل المذكور.
وقيل : مسلمة من الشّبه التي هي خلاف لونها، أي : خلصت صُفْرتها عن اختلاط سائر الألوان بها، وهذا ضعيف؛ لأن قوله :« لاَ شِيَةَ فِيهَا » يصير تكراراً.
و « شِيَة » : مصدر وَشَيْتُ الثوب أَشِيه وَشْياً وَشِيَةً، حذفت فاؤها؛ لوقوعها بين ياء وكيرة في المضارع، ثم حمل باقي الباب عليه، ووزنها « عِلَةٌ » ومثلها :
« صِلَةٌ وعِدَةٌ وَزِنَة ».


الصفحة التالية
Icon