[ النور : ٦١ ] ومن نظائره قوله :﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى ﴾ [ طه : ٤٤ ].
وثانيها : أن المراد : فهي كالحجارة ومنها ما هو أشد قسوة من الحجارة.
[ وثالثها : أي : في نظركم واعتقادكم إذا طلعتم على أحوال قلوبهم قلتم : إنها كالحجارة أو أشدّ قسوة من الحجارة ].
ورابعها : أن « أو » بمعنى « بل » ؛ وقال الشاعر :[ الطويل ]
٥٩٤ فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَسَلْمَى تَقَوَّلَتْ | أَمِ النَّوْمُ أَو كُلُّ إِلَيَّ حَبِيبُ |
وسادسها : أن « أو » حرف إباحة، أي : بأي هذين شبّهت قلوبهم كان صدقاً كقولهم :« جالس الحَسَنَ أو ابن سيرين » أي أيهما جالست كنت مصيباً أيضاً. و « أشَدّ » مرفوع لعطفه على محل « كَالحِجَارةِ » أي : فهي مِثْلُ الحجارة أو أشد. والكاف يجوز أن تكون حرفاً فتتعلّق بمحذوف، وأن كون اسماً فلا تتعلّق بشيء، ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوفاً أي : أو هي أشد.
و « قسوة » منصوب على التمييز؛ لأن الإبْهَامَ حصل في نسبة التفضيل إليهما، والمفضل عليه محذوف للدلالة عليه، أي : أشدّ قسوة من الحِجَارَةِ.
وقرىء :« أَشَدْ » بالفتح وَوَجْهُهَا : أنه عطفها على « الحجارة » أي : فهي كالحجارة أو [ كأشد ] منها.
قال الزمخشري موجهاً للرفع : و « أشد » معطوف على الكاف، إما على معنى : أو مثل أشد، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وتعضده قراءة الأعمش بنصب الدال عطفاً على « الحجارة » ويجوز على ما قاله أن يكون مجروراً بالمضاف المحذوف ترك على حاله، كقراءة :﴿ والله يُرِيدُ الآخرة ﴾ [ الأنفال : ٦٧ ] بجر « الآخرة » أي : ثواب الآخرة، فيحصل من هذا أن فتحه الدال يُحتمل أن تكون للنصب، وأن تكون للجر.
وقال الزمخشري أيضاً : فإن قلت : لم قيل : أشدُّ قسوة مما يَخْرُج منه « أفعل » التفضيل وفعل التعجب؟ يعني : أنه [ مستكمل ] للشروط من كونه ثلاثياً تاماً غير لون ولا عاهة متصرفاً غير ملازم للنفي.
ثم قال : قلت : لكونه أبين وأدلّ على فرط القسوة، ووجهٌ آخر وهو الاّ يقصد معنى الأقسى، ولكنه [ قصد ] وصف القسوة بالشدة، كأنه « اشتدت قسوة الحجارة، وقلوبهم أشد قسوة ».
وهذا الكلام حسن، إلا أن كون « القسوة » جوز بناء التعجّب منها فيه نظر من حيث إنها من الأمور الخِلْقِية أو من العيوب، وكلاهما ممنوع منه بناء البابين.
وقرىء :« قاسوة ».
فصل في أوجه شدة القسوة من الحجارة
إنما وصفها بأنها أشد قسوةً من الحجارة لوجوه :
أحدها : أن الحجارة لو كانت عاقلة، ورأت هذه الآية لقبلتها كما قال :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله ﴾