وقال أيضاً :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله ﴾ [ الحشر : ٢١ ].
وروي أنه حنّ الجِذْع لصعود رسول الله ﷺ المنبر، ولما أتى الوحي رسول الله ﷺ في أول المبعث، وانصرف رسول الله ﷺ إلى منزله سلمت عليه الحِجَارَةُ فكلها كانت تقول : السَّلام عليك يا رسول الله.
قال مجاهد : ما تَرَدَّى حَجَرٌ من رأس جبل، ولا تَفَجَّرَ نَهْرٌ من حَجَر، ولا خرج منه ماء إلاَّ من خشية الله، نزل بذلك القرآنُ، مثله عن ابن جُرَيْجِ وثبت عنه ﷺ قال :« إنَّ حَجَراً كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ إنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوكَ عَلَى ظَهْري فَيُعَذّبني اللهُ فَنَادَاهُ حِرَاءٌ :» إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ « وقوله تعالى :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة ﴾ [ الأحزاب : ٧٢ ] الآية.
وأنكرت المعتزلة ذلك، ولا يلتفت إليهم؛ لأنه لا دليل لهم إلا مجرد الاستبعاد.
لو قال بعض المفسِّرين : الضمير عائدٌ إلى » الحجارة « و » الحجارة « لا تعقلُ، ولا تَفْهَم، فلا بدَّ من التأويل، فقال بعضُهُمْ : إسناد الهبوط استعارة؛ كقوله :[ الكامل ]٥٩٥ لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَواضَعَتْ | سُورُ الْمَدِينَةِ والْجِبَالُ الْخُشَّعُ |
وقوله :» مِنْ خَشْيَةِ اللهِ « أي : ذلك الهبوط لو وجد من العاقل لكان به خاشياً لله، وهو كقوله تعالى :﴿ جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ ﴾ [ الكهف : ٧٧ ] أي جداراً قد ظهر فيه المَيَلاَن ومقاربة السقوط ما لو ظهر مثله في حيّ مختارٍ، لكان مريداً للانقضاض، ونحو هذا قوله :[ الطويل ]٥٩٦ بَخِيْلٍ تَضِلُّ الْبُلْقُ فِي حَجَرَاتِهِ | تَرَى الأُكْمَ فِيهِ سُجَّداً لِلْحَوَافِرِ |
فجعل ما ظهر في الأكم من أثر الحَوَافر من عدم امتناعها مِنْ دفع ذلك عن نفسها كالسُّجود منها للحوافر.
الوجه الثاني : من التأويل : قوله :» مِنْ خَشْيَةِ اللهِ « : من الحجارة ما ينزل، وما يشقق، ويتزايل بعض عن بعض عند الزلازل من أجل ما يريد الله بذلك من خَشْية عباده له وفزعهم إليه بالدعاء والتوبة.
وتحقيقه أنه كان المقصود الأصلي من أهباط الأحجار في الزلازل الشديدة أن تحصل الخشية في القلوب.
الوجه الثالث : قال الجُبَّائي :» الحجارة « البَرَدُ الذي يهبط من السحاب تخويفاً من الله تعالى لعباده لِيَزْجُرَهُمْ به.
قال : وقوله :» مِنْ خَشْيَةِ اللهِ « أي : خشية الله، أي : ينزل بالتخويف للعباد، أو بما يوجب الخشية لله، كما تقول : نزل القرآن بتحريم كذا، وتحليل كذا، أي : بإيجاب ذلك على الناس.
قال القاضي : هذا التأويل ترك للظَّاهر من غير ضرورة؛ لأن البَرَد لا يوصف بالحجارة؛ لأنه ماء في الحقيقة.
قوله :» مِنْ خَشْيَةِ اللهِ « منصوب المحلّ متعلق ب » يهبط «، و » من « للتعليل.
وقال أبو البقاء :» من « في موضع نصب ب » يهبط «، كما تقول : يهبط بخشية الله، فجعلها بمعنى » الباء « [ المعدية ] وهذا فيه نظر لا يخفى.