ورابعها : تحذير أَهْل الكِتَاب الموجودين في زمن النبي ﷺ من نزول العذاب علهيم كما نزل بأسلافهم في تلك الوقائع المعدودة.
وخامسها : الاحتجاج على من أنكر الإعادة من مشركي العرب مع إقراره بالابتداء كما في قوله :﴿ كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى ﴾ [ البقرة : ٧٣ ].

فصل في تسلية النبيّ ﷺ


اعلم أن المراد تسلية رسوله ﷺ فيما يظهر من أَهْل الكتاب في زمانه من قلّة القبول فقال :« أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ ».
قال الحسن : هو خطاب مع الرسول ﷺ والمؤمنين.
قال القاضي : وهذا الأليق بالظاهر، وإن كان الأصل في الدّعاء، فقد كان من الصحابة من يدعوهم إلى الإيمان، ويظهر لهم الدلائل. قال ابن عَبَّاس : إنه خطاب مع النبي ﷺ خاصّة؛ لأنه هو الدّاعي، وهو المقصود بالاستجابة. واللفظة وإن كانت للعموم لكن حملناها على هذا الخصوص لهذن [ القرينة ].
روي أنه حين دخل « المدينة » ودعا اليهود إلى كتاب الله، وكذبوه، فأنزل الله تعالى وسبب هذه الاستعباد ما ذكرناه أي : أتطمعون أن يؤمنوا مع أنهم ما آمنوا بموسى عليه الصَّلاة والسَّلام الذي كان هو السبب في خَلاَصهم من الذّل، وفضلهم على الكل بظهور المُعْجزات المتوالية على يَدِهِ، مع ظهور أنواع العذاب على المتمردين، فأي استبعاد في عدم إيمان هؤلاء.

فصل في إعراب الآية


قوله :« أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ » ناصب ومنصوب، وعلامة النصب حذف النون والأصل في « أن » وموضعها نصب أو جر على ما عرف، وعدي « يؤمنوا » باللاّم لتضمّنه معنى أن يحدثوا الإيمان لأجل دعوتكم قاله الزمخشري.
فإن قيل : ما معنى الإضافة في قوله :« يُؤْمِنُواْ لَكُمْ » والإيمان إنما هو لله؟
فالجواب : أن الإيمان وإن كان الله فهم الدّاعون إليه كما قال تعالى :﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾ [ العنكبوت : ٢٦ ] لما آمن بنبوّته وتصديقه، ويجوز أن يراد أن يؤمنوا لأجلكم، ولأجل تشدّدكم في دعائهم. قوله :« وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ » « الواو » : للحال.
قال بعضهم : وعلامتها أن يصلح موضها « إذ »، والتقدير : أفتطمعون في إيمانهم، والحال أنهم كاذبون محرفون لكلام الله تعالى.
و « قد » مقربة للماضي من الحال سوّغت وقوعه حالاً.
و « يَسْمَعُون » خبر « كان ».
و « منهم » في محلّ رفع صفة ل « فريق »، أي : فريق كائن منهم.
قال سيبويه : واعلم أن ناساً من ربيعة يقولون :« مِنْهِم » بكسر الهاء إتباعاً لكسرة الميم.


الصفحة التالية
Icon