وضرب لا يتوجه نحو ما مثل به النحاة :« ما زاد إلا ما نقص »، و « ما نفع إلا ما ضر » فالأول فيه لُغتَان : لغة « الحجاز » وجوب نصبه، ولغة « تميم » أنه كالمتّصل، فيجوز فيه بعد النفي وشبهه النصب والإتباع.
والآية الكريمة من الضرب الأولن فيحتمل في نصبها وَجْهَان :
أحدهما : على الاستثناء المنقطع.
والثاني : أنه بدل من « الكتاب ».
و « إلاّ » في المنقطع تقدر عند البصريين ب « لَكِنَّ »، وعند الكونفيين ب « بل »، وظاهر كلام أبي البقاء أن نصبه على المصدر بفعل مَحْذُوف، فإنه قال :« إلا أماني » اسثناء منقطع؛ لأن الأماني ليس من جنس العلم، وتقدير « إلاّ » في مثل هذا ب « لكن » أي : لكن يتمنونه أماني، فيكون عنده من باب الاستثناء المفرّغ المنقطع، فيصير نظير :« ماعلمت إلا ظنّاً ». [ وفيه نظر ].
الأَمَاني مع « أُمْنِيَّة » بتشديد الياء فيها.
وقال ابو البَقَاءِ :« يجوز تخفيفها فيها ».
وقرأ أبو جعفر بتخفيفها، حَذَفَ إحدى الياءين تخفيفاً.
قال الأخفشك « هذا كما يقال في جمع مفتاح : مفتاح ومفاتيح ».
قال النَّحَّاس :« الحذف في المعتلّ اكثر » ؛ وأنشد قول النابغة :[ الطويل ]

٦٠٢ وَهَلْ يُرْجِعُ التَّسْلِيمَ أو يَكْشِفُ العَمَى ثَلاثُ الأَثافِي والرُّسُومُ البَلاَقِعُ
وقال أبو حَاتِمٍ :« كلّ ما جاء واحده مشدداً من هذا النوع فلك في الجمع الوجهان ». وأصله يرجع إلى ما قال الأخفش.
ووزن « أمنية » :« أُفْعُولَة » من تَمَنَّى يَتَمَنَّى : إذا تلا وقرأ؛ قال :[ الطويل ]
٦٠٣ تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ آخِرَ لَيْلِهِ تَمَنِّيَ دَاوُدَ الزَّبُورَ عَلَى رِسْلِ
وقال كعب بن مالك :[ الطويل ]
٦٠٤ تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ وآخِرَهُ لاَقى حِمَامَ المقَادِرِ
وقال تعالى :﴿ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ ﴾ [ الحج : ٥٢ ] أي : قرأ وتلا. والأصل على هذا :« أُمْنُويَة » فأعلت إعلال « ميت » و « سيد » وقد تقدم.
وقيل : الأمنية : الكذب والاختلاق.
قال أعرابي لابن دَأْب في شيء يحدث به : أهذا الشيء رويته أم تمنيته أي : اختلقته.
وقيل : ما يتمّناه الإنسان ويشتهيه.
وقيل :: ما يقدره ويحزره من مَتَّى : إذا كذب، أو تمنى، أو قدر؛ كقوله :[ البسيط ]
٦٠٥ لاَ تَأْمَنَنَّ وَإِنْ أَمْسَيْتَ في حَرَمٍ حَتَّى تُلاَقِيَ مَا يَمْنِي لَكَ المَانِي
أي : يقدر لك المقدر.
قال الراغب : والمني : التقدير، ومنه « المَنَا » الذي يُوزَن به، ومنه « المنية » وهو الأجل المقدر للحيوان، « والتَّمَنِّي » : تقدير شيء في النفس وتصويره فيها، وذلك قد يكون عن ظنّ وتخمين، وقد يكون بناء على رَوِيَّةٍ وأصل، لكن لما كان أكثره عن تخمين كان الكذب أملك له، فأكثر التمني تصوّر ما لاحقيقة له [ والأمنية : الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء ].


الصفحة التالية
Icon