النوع الثاني من دلائل المعتزلة : التمسّك في الوعيد بصيغة الجمع المعرفة بالألف واللام، قال تعالى :﴿ وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [ الانفطار : ١٤ ] فإنها تفيد العموم، ويدل عليه وجوه :
أحدها : قول أبو بكر رضي الله عنه :« الائمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ » والأنصار سلموا له صحة تلك الحجة. ولما هَمّ بقتال مانعي الزكاة قال له عمر رضي الله عنه : أليس قال النبي ﷺ « اُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ » فاحتج عليه بهذا اللفظ بعمومه، ولم يقل أبو بكر ولا أحد من الصحابة : إن اللفظ لا يفيده، بل عدل إلى الاستثناء، فقال إنه ﷺ قال :« إِلاَّ بحَقِّهَا ».
الثاني : أن هذا الجمع يؤكّد بما يقتضي الاستغراق، فوجب أن يفيد الاستغراق لقوله تعالى :﴿ فَسَجَدَ الملاائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [ الحجر : ٣٠ ] وما كان كذلك فوجب أن يؤكد المؤكد في أصله الاستغراق؛ لأن هذه الألفاظ مسماة بالتأكيد أجماعاً، والتأكيد هو تقوية الحكم الذي كان ثابتاً في الأصل.
الثالث : صحّة الاستثناء منه.
الرابع : أن المعرف يقتضي الكثرة فوق المنكر؛ لأنه يصح انتزع المنكر من المعرف ولا ينعكس، ومعلوم أن المنتزع [ منه أكثر من المنتزع ].
النوع الثاني : صيغ الجموع المقرونة بحرف « الذي كقوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ﴾ [ النساء : ١٠ ] ﴿ الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ﴾ [ النحل : ٢٨ ] ﴿ والذين كَسَبُواْ السيئات ﴾ [ يونس : ٢٧ ] ﴿ والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة ﴾ [ التوبة : ٣٤ ] ﴿ وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات ﴾ [ النساء : ١٨ ] فلو لم يكن الفاسق من أهل الوعيد لم يكن له في التوبة حاجة.
النوع الثالث : لفظة » ما « كقوله ﴿ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة ﴾ [ آل عمران : ١٨٠ ].
النوع الرابع : لفظة » كل « كقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ﴾ [ يونس : ٥٤ ].
النوع الخامس : ما يدلّ على أنه سبحانه لا بد وأن يفعل ما توعدهم به وهو قوله :﴿ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد ٠ مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ ﴾ [ ق : ٢٨، ٢٩ ] صريح في أنه تعالى لا بد وأن يفعل ما دلّ اللفظ عليه، وكذا الكلام في الصّيغ الواردة في الحديث.
والجواب من وجوه :
أحدها : لا نسلم أن صيغة » من « في [ معرض ] الشرط للعموم، و لانسلّم أن صيغة الجمع إذا كانت معرفة بالألف واللام كانت للعوم، والذي يدلّ عليه أمور :
الأول : أنه يصحّ إدخال لفظتي الكل والبعض على هاتين اللَّفظتين، فيقال : كل من دخل داري أكرمته، وبعض مَنْ دخل داري أكرمته، ويقال أيضاً : كل الناس كذا، وبعض الناس كذا، ولو كانت لفظة » من « في معرض الشرط تفيد العموم لكان إدخال لفظة » كل « عليها تكريراً، وإدخال لفظة » بعض « عليها نقضاً، وكذلك في [ فلظ الجمع ] المعرف.