فَصلٌ هل البَسْمَلَةُ آية من أوائل السور أم لا؟
وللشافعي قولان :
قال ابن الخطيب :« والمُحَقّقون من أصحابنا اتفقوا على أن بسم الله قرآن من سائر السّور، وجعلوا القولين في أنها هل هي آية تامة وحدها من كل سورة، أو هي مع ما بعدها آية ».
وقال بعض الحنفية : إنّ الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة؛ لأن أحداً ممن قبله لم يقل : إن بسم الله آية من أوائل سائر السُّور.
ودليلنا أن بسم الله مكتوب في أوائل السور بخط القرآن، فوجب كونه قرآناً، واحتج المخالف بما روى أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي ﷺ وعلى آله وسلم- قال في سورة « الملك » إنها ثلاثون آية، وفي سورة « الكوثر » إنها ثلاث آيات، ثم أجمعوا على أنَ هذا العدد حاصل بدون التسمية، فوجب ألاّ تمون التسمية آية من هذه السّور.
والجَوَاب أنا إذا قلنا : بسم الله الرحمن الرحيم كع ما بعدها آية واحدة، فالإشْكَال زائل. فإن قالوا : لما اعترفتم بأنها آية تامةٌ من أول الفاتحة، فكيف يمكنكم أن تقولوا : إنها بعض آية من سائر السور؟
قلنا : هذا غير بعيدٍ، ألا ترى أن قوله تعالى :﴿ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾ آية تامة؟ ثم صار مجموع قوله تعالى :﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾ [ يونس : ١٠ ] آية واحدة، فكذا ها هنا.
وأيضاً فقوله : سورة « الكوثر » ثلاث آيات يعني ما هو خاصية هذه السورة ثلاث آيات، وأما التسمية فهي كالشيء المشترك فيه بين جميع السُّور، فسقط هذا السُّؤال، والله أعلم.

فصل في الجهر بالتسمية والإسرار بها


يروى عن أحمد بن حَنْبَل -رضي الله تعالى عنه- فإنه قال : ليست آية من الفاتحة ويجهر بها.
وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : ليست آية من الفاتحة، ولا يجهر بها.
والاستقراء دلّ على أن السورة الواحدة، إما أن تكون بتمامها سريةً أو جهريةً، وإما أن يكون بعضها سرياً، وبعضها جهرياً، فهذا مفقودٌ في جميع السور، وإذا ثبت هذا كان الجَهْرُ بالتسمية شروعاً في القراءة الجهرية.
وقالت الشِّيعة : السُّنة هي الجَهْر بالتسمية، سواء كانت الصلاة [ جهرية أو سرية ].
والذين قالوا : إن السمية ليست من أوائل السور اختلفوا في سبب إثباتها في المُصْحَف في أول كل سورة، وفيه قولان :
الأول : أن التسمية ليست من القرآن، وهؤلاء فريقان :
منهم من قال : كُتِبَتْ لِلْفَصْلِ بين السُّور، وهذا الفصل قد صار الآن معلوماً، فلا حاجة إلى إثبات التسمية، فعلى هذا لو لم تكتب لَجَازَ.


الصفحة التالية
Icon