قوله :« والمساكين » جمع « مسكين »، ويسمونه جمعاً لا نظير له من الآحاد، وجمعاً على صيغة منتهى الجُمُوع، وهو من العِلَلِ القائمة مقام علّتين، وسيأتي تحقيقه قريباً إن شاء الله تعالى.
وتقدم القول في اشتقاقه عند ذكر المسكنة.
واختلف فيه : هل هو بمعنى الفقير أو أسوأ حالاً منه كقوله :﴿ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [ البلد : ١٦ ] أي : لصق جلده بالتراب، وهو قول أبي حنيفة وغيره بخلاف القير؛ فإن له شيئاً ما.
قال :[ البسيط ]

٦٢٠ أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَم يُتْرَكْ لَهُ سَبدُ
أو أكمل حالاً؛ لأن الله جعل لهم ملكاً ما، قال :﴿ أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ ﴾ [ الكهف : ٧٩ ] وهو قول الشافعي وغيره.

فصل


إنما تأخّرت درجتهم عن اليتامى؛ لأن المِسْكين قد ينتفع به في الاستخدامن فكان الميل إلى مُخَالطته أكثر من المَيْل إلى مُخَالطة اليتامى، وأيضاً المسكين يمكنه الاشتغال بتعهّد نفسه، ومصالح معيشته، واليتيم ليس كذلك، فلا جَرَمَ قدم الله ذكر اليتيم على المسكين.
قال : عليه الصَّلاة والسلام :« السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ والمِسْكِينَ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيْلِ اللهِ وأحسبه قال وَكَالقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ مِنْ صَلاَةٍ وَكَالصَّائم لاَ يُفْطِرُ ».
قال ابن المنذر : كان طاوس يرى السَّعي على الأخواب أفضل من الجهاد في سبيل الله.
قوله :« وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً » هذه الجملة عَطْفٌ على قوله :« لاَ تْعُبُدُونَ » في المعنى، كأنه قال : لا تعبدوا إلا الله، وأحسنوا بالوالدين وقولوا، أو على « أحسنوا » المقدر، كما تقدم تقريره في قوله تعالى :« وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ».
وأجاز أبو البقاء أن يكون معمولاً لقول محذوف تقديره : وقلنا لهم : قولُوا.
وقرأ حمزة والكسائي :« حَسَناً » بفتحتين، و « حُسُناً » بضمتين، و « حُسْنَى » من غير تنوين ك « حُبْلى » و « إِحْسَاناً » من الرباعي.
فأما من قرأ :« حُسْناً » بالضم والإسكان، فيحتمل أوجهاً :
أحدها وهو الظَّاهر أنه مصدر وقع صفةً لمحذوف تقديره : وقولوا للناس حُسناً أي : ذا حسن.
الثاني : أن يكون وصف به مُبَالغة كأنه جعل القول نفسه حسناً.
الثالث : أنه صفة على وزن « فُعْل »، وليس أصله المصدر، بل هو كالحلو والمر، فيكون بمعنى « حَسَنٍ » بفتحتين، فيكون فيه لغتان : حُسْن وحَسَن ك « البُخْل والبَخَل، والحُزْن والحَزَن، والعُرْب والْعَرب ».
الرابع : أنه منصوب على المَصْدر من المعنى، فإن المعنى : وَلْيَحْسُنْ قَوْلُكم حُسْناً.
وأما قراءة :« حَسَناً » بفتحتين فصفة لمصدر محذوف تقديره : قولاً حسناً، كما تقدم في أحد أوجه « حُسْناً ».
وأما « حُسْناً » بضمتين، فضمة السين لإتباع الحاء، فهو بمعنى « حُسْناً » بالسكون، وفيه الأوجه المتقدمة.


الصفحة التالية
Icon