وقوله :« تَقْتُلُونَ » بيان لقوله :« ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ ».
واعترضه أبو حَيَّان فقال : الظاهر أن المشار إليهم بقوله :« ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ » هم المخاطبون أولاً، فليسوا قوماً آخرين، ألا ترى أن التقدير الذي قَدَّره الزمخشري من تقدير [ تغير الصّفة منزلة ] تغيّر الذات لا يتأتى في نحو : ها أنا ذا قائماً، ولا في نحو : ها أنتم هؤلاء، بل المُخَاطب هو المشار إليه من غير تَغَيُّرٍ.
وأجيب بأن هذا الإيراد بعيد غير واضح.
والثاني : أن « أنتم » أيضاً مبتدأ، و « هؤلاء » خبره، ولكن بتأويل حذف مضاف تقديره : ثم أنتم مِثْلُ هؤلاء، و « تقتلون » حال ايضاً، العامل فيها معنى التشبيه، إلا أنه يلزم منه الإشَارة إلى غائبين؛ لأن المراد بهم أَسْلاَفهم علىهذا، وقد يقال : إنه نزل الغائب منزلة الحاضر.
الثالث : ونقله « ابن عطية » عن شيخه « ابن الباذش » أن « أنتم » خبر متقدم، و « هؤلاء » مبتدأ مؤخر. وهذا فاسد؛ لأن المبتدأ أو الخبر متى استويا تعريضاً وتنكيراً لم يَجُزْ تقدم الخبر، وإن ورد منه ما يوهم فمتأول.
الرابع : أن « أنتم » مبتدأ و « هؤلاء » مُنَادى حذف منه حرف النِّدَاء، وتقلتون خبر المبتدأ، وفصل بالنداء بين المبتدأ وخبره.
وهذا لا يجيزه جمهور البصريين إنما قال به « الفراء » وجماعة؛ أنشدوا :[ البسيط ]
٦٢٩ إِنَّ الأُولى وَصَفُوا قَوْمِي لَهُمْ فَبِهِمْ | هَذَا اعْتَصِمْ تَلْقَ مَنْ عَادَاكَ مَخْذُولاَ |
٦٣٠ هَذِي بَرَزْتِ لَنَا فَهِجْتِ رَسِيَا | .................... |
الخامس : أن « هؤلاء » موصول بمعنى « الذي »، و « تقتلون » صلته، وهو خبر عن « أنتم » أي : أنتم الذين تقتلون. وهذا لا يجيزه جمهور البصريين إنما قال به « الفراء » وجماعة؛ أنشدوا :[ البسيط ]
٦٣١................... | نَجَوْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ |
السادس : أنَّ « هؤلاء » منصوب على الاختصاص، بإضمار « أعني » و « أنتم » مبتدأ، و « يقتلون » خبره، اعترض بينهما بجملة الاختصاص، وإليه ذهب ابن كَيْسَان. وهذا لا يجوز، لأن النحويين قد نصّوا على أن الاختصاص لا يَكُون بالنكرات، ولا أسماء الإشارة، والمستقرأ من لسان العرب أن المنصوب على الاختصاص : إما « أي » نحو :« اللهم اغفر لنا أيتها العِصَابة » أو معرف ب « أل » نحو : نحن العَرَبَ أَقْرَى النَّاس للضيف، أو بالإضافة نحو : نحن مَعَاشِرَ الأنبياء لا نورّث، وقد يجيء كقوله :[ الرجز ]
٦٣٢ بِنَا تَمِيماً يُكْشَفُ الضَّبَابُ...