الثاني : أن المراد تمسّكهم بنبوة موسى ﷺ مع التكذيب بمحمد ﷺ مع أن الحُجّة في أمرها سواء.
قوله :﴿ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ﴾ « ما » يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون نافية، و « جزاء » متبدأ، و « إلاَّ خِزْيٌ » خبره وهو استثناء مفرّغ وبَطَلَ علمها عند الحِجَازيين لانتقاض النفي ب « إلاّ »، وفي ذلك خلاف وتفصيل وتلخيصه : أن خبرها الواقع بعد « إلا » جمهور البصريين على وجوب رفعه مطلقاً سواءً كان هو الأول، أمر منزلاً منزلته، أو صفة أو لم يكن، ويأولون قوله :[ الطويل ]
٦٤٢ وَمَا الدَّهْرُ إِلاَّ مَنْجَنُوناً بِأَهْلِهِ | وَمَا صَاحِبُ الْحَاجَاتِ إِلاَّ مُعَذَّبَا |
وأجاز يونس النصب مطلقاً، وإن كان النَّحَّاس نقل عدم الخلاف في رفع ما زيد إِلاَّ أخوك فإن كان الثَّاني منزلاً منزلة الأوّل نحو :« ما أنت إِلاَّ عمامتك تحسيناً وإلاَّ رداءك تزييناً ».
فأجاز الكوفيون نصبه، وإنْ كان صفة نحو « ما زيد إلا قائم » فأجاز الفراء أيضاً.
والثانيك أن تكون استفهاميةً في محلّ رفع بالابتداء، و « جزاء » خبره، و « إِلاَّ خِزْي » بدل من « جزاء » نقله أبو البَقَاءِ.
و « الجزاء » : المقابلة خَيْراً كان أو شَرَّا.
و « مَنْ » موصولة، أو نكرة موصوفة، و « يفعل » لا محلّ لها على الأول، ومحلها الجر على الثاني.
« مِنْكُم » في محلّ نصب على الحال من فاعل « يفعل »، فيتعلّق بمحذوف، أي : يفعل ذلك حال كونه منكم.
و « الخِزْي » : الهَوَان والذّل والمَقْت، يقال : أخزاه الله إذا مَقَتَهُ وأبعده، ويقال : خَزِيَ بالكسر يَخْزى خِزْياً فهو خَزْيَان، وامرأة خَزْيَا، والجمع خَزَايَا. وقال ابن السِّكِّيت : الخزي الوقوع في بَليَّةٍ، وخَزِيَ الرجل في نفسه يخزى خزايةً إذا استحيا.
وإذا قيل : أخْزَاه الله، كأنه قيل : أوقعه موقعاً يُستحيى منه، فأصله على هذا الاستحياء.
قوله :« فِي الْحَيَاةِ » يجوز فيه وَجْهَان :
أحدهما : أن يكون محلّه النصب على أنه ظرف ل « خِزْي »، فهو منصوب به تقديراً.
و « الدُّنْيَا » « فُعْلَى » تأنيث الأدنى من الدَّنو، وهو القُرْب، وألفها للتأنيث، ولا تحذف منها « أل » إلا لضرورة كقوله :[ الرجز ]
٦٤٣ يَوْمَ تَرَى النُّفُوسُ مَا أَعَدَّتِ | في سَعْيِ دُنْيَا طَالَمَا قَدْ مُدَّتِ |
فأما قولهم :« القُصْوَى » عند غير « تميم »، و « الحُلْوَى » عند الجميع فَشَاذٌّ.