روي عن ابن عباس أن التَّوراة لما نزلت أمر الله موسى بِحَمْلِهَا فلم يطق ذلك، فبعث لكل حرف منها ملكاً فلم يطيقوا حلمها، فخفّفها الله على موسى ﷺ فحملها.
[ قوله ] :﴿ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بالرسل ﴾ التضعيف في « قَفَّيْنَا » ليس للتَّعدية؛ إِذْ لو كان كذلك لتعدّى إلى اثنين؛ لأنه قيل : التضعيف يتعدّى لواحد، نحو :« قَفَوْتُ زَيْداً »، ولكنه ضُمِّن معنى « جئنا » كأنه قيلك وجئنا من بعده الرُّسل.
فإن قيل : يجوز أن يكون متعدياً لاثنين على معنى أنَّ الأول محذوف، والثاني « بالرسل » والباء فيه زائدة تقديره :« وَقَفَّيْنَا من بعده الرسل ».
فالجَوَاب : أن كثرة مجيئه في القرآن كذلك يبعد هذا التَّقْدِير، وسيأتي لذلك مزيد بيان في « المائدة » [ الآية : ٤٦ ] إن شاء الله تعالى.
و « قَفَّيْنَا » أصله : قَفَّوْنَا/ ولكن لما وقعت « الواو » رابعة قلبت « ياء »، واشتقاقه من « قَفَوْتَ »، وقَفَوْتُه إذا اتَّبَعْتُ قَفَاه، ثم اتُّسِع فيه، فأطلف على تابع، وإن بَعُدَ زمان التابع عن زمان المتبوع.
قال أميَّةُ :[ البسيط ]
٦٤٦ قَالَتْ لأخْتٍ لَهُ قُصِّيهِ عَنْ جُنُبٍ | وَكَيْفَ تَقْفُو وَلاَ سَهْلٌ وَلاَ جَبَلُ |
والقَفَاوَة : ما يدّخر من اللّبن وغيره لمن تريد إكرامه، وقفوت الرجل : قذفته بِفُجُور، « وفلان قِفْوتِي » : أي تُهْمتي، وقِفْوتي أي خيرتي.
قال ابن دريد : كأنه من الأضداد.
ومنه قافية الشعر؛ لأنها يتلو بعضها بعضاً، ومعنى قفّينا : أي أتبعنا، كقوله :﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ﴾ [ المؤمنون : ٤٤ ].
و « مِنْ بَعْدِهِ » متعلق به، و كذلك :« بالرُّسُل » وهو جمع رسول بمعنى مُرْسَل، وفُعُل غير مقيس في « فعيل » بمعنى « مفعول » وسكون العين لغة « الحجاز » وبها قرأ الحسن، والضم لغة « تميم » وبها قرأ السَّبعة إلاَّ أبا عمر، وفيما أضيف إلى « ن » أو « كم » أو « هم »، فإنه قرأ بالسكون لتوالي الحركات.
فصل في تعيين الرسل المقفى بهم
هؤلاء الرُّسل : يوشع، وشمويل، وداود، وسليمان، وشعياء، وأرمياء، وعزير، وحزقيل، وإلياس، ويونس، وزكريا، ويحيى، وغيرهم.
وروي أن بعد موسى إلى أيام عيسى كانت الرسل متواترةً، ويظهر بعضهم في أثر البعض.
والشريعة واحدة في أيام عيسى ﷺ ت فإنه جاء بشريعة مجدّدة، والدليل على ذلك قوله :﴿ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بالرسل ﴾ ؛ لأنه يقتضي أنهم على حدٍّ واحدٍ في الشريعة يتبع بعضهم بعضاً فيها.