والثاني : أن يكون حالاً، أي : وقد كانوا، فيكون جواب « لما » مرتباً على المجيء بقيد في مفعوله، وهم كونهم يستفتحون.
قال أبو حيان : وظاهر كلام الزمخشري أن « وكانوا » ليست معطوفة على الفعل بعد « لما، ولا حالاً لأنه قدر جواب » لما « محذوفاً قبل قبل تفسيره يستفتحون، فدلَّ على أن قوله :» وكانوا « جملة معطوفة على مجموع الجملة من قوله :» ولما «. وهذا هو الثالث.
و » مِنْ قَبْلُ « متعلق ب » يستفتحون «، والأصل : من قبل ذلك، فلما قطع بني على الضم.
و » يَسْتَفْتِحُونَ « في محل نصب على أنه خبر » كان «.
واختلف النحويون في جواب » لما « الأولى الثانية.
فذهب الأخفش والزَّجاج إلى أن جواب الأولى محذوف تقديره : ولما جاءهم كتاب كفروا به، وقدّره الزمخشري :» كذبوا به واستهانوا بمجيئه «. وهو حسن، ونظيره قوله :﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال ﴾ [ الرعد : ٣١ ] أي : لكان هذا القرآن.
وذهب الفَرّاء إلى أن جوابها الفاء الداخلة على » لما «، وهو عنده نظير قوله :﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ ﴾ [ البقرة : ٣٨ ] قال : لا يجوز أن تكون الفاء ناسقة، إذ لا يصلح موضعها » الواو «.
و » كَفَرُوا « جواب » لما « الثانية على القولين.
وقال أبو البَقَاءِ : في جواب » لما « الأولى وجهان :
أحدهما : جوابها » لما « الثانية وجوابها، وهذا ضعيف؛ لأن » الفاء « مع » لما « الثانية، و » لما « لا تجاب بالفاء إلاَّ أن يعتقد زيادة » الفاء « على مايجيزه الأخفش.
قال شهاب الدين : ولو قيل برأي الأخفش في زيادة » الفاء « من حيث الجملة، فإنه لا يمكن هاهنا لأن » لما « لا يجاب بمثلها، لا يقال :» لما جاء زيد لما قعد أكرمتك «
على أن يكون » لما قعد « جواب » لما جاء « والله أعلم.
وذهب المبرد إلى أن » كفروا « جواب » لما « الأولى، وكررت الثَّانية لطول الكلام، ويفيد ذلك تقرير الذنب وتأكيده كقوله تعالى :﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ ﴾ [ المؤمنون : ٣٥ ] إلى قوله :﴿ أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٣٥ ]، وهو حسن لولا أن » الفاء « تمنع من ذلك.
وقال ابو البقاء بعد أن حكى وجهاً أول : والثاني : أن » كفروا « جواب الأولى والثانية؛ لأن مقتضاها واحد.
وقيل : الثانية تكرير، فلم تحتج إلى جواب.
فقوله : وقيل : الثانية تكرير، هو قول المبرّد، وهو في الحقيقة ليس مغايرةً للوجه الذي ذكره قبله من كون » كفروا « جواباً لهما بل هو هو.