والقول الثاني : أن الناصب لقوله « بَغْياً » « اشْتَروا »، وإليه ينحو كلام الزمشخري، فإنه قال :« وهو علّة » اشتروا.
الوجه الثاني : أنه منصوب على المصدر بفعل مَحْذوف يدل عليه ما تقدم، أي : بَغَوا بغياً.
والثالث : أنه في موضع حالٍ، وفي صاحبها القَوْلاَن المتقدّمان : إما فاعل « اشتروا »، وإما فاعل « يكفروا »، تقديره : اشتروا باغين، أو يكفروا باغين.
والبَغْي : أصله الفَسَاد، من قولهم : بغي الجرح أي : فسد، قاله الأَصْمعي.
وقيل : هو شدة الطلب، ومنه قوله تعالى :﴿ مَا نَبْغِي ﴾ [ يوسف : ٦٥ ] ومنه البّغِيّ للزانية، لشدة طلبها له وقال القُرْطبي : البغي معناه : الحَسَد، قاله قتادة والسُّدي، وهو مفعول من أجله، وهو في الحقيقة مصدر.
[ وقال الراجز :[ السريع او الرجز ]
٦٦٠ أنْشُدُوا الْبَاغِي يُحِبُّ الْوِجْدَانْ | قَلاًئِصاً مُخْتَلِفَاتِ الأَلوَانْ ] |
أحدهما : أنه مفعول من أجله، والناصب له « بغياً » أي : علّة البغي إنزال الله فَضْله على محمد ﷺ.
والثاني : أنه على إسقاط الخافض، والتقدير : بغياً على أن ينزل، اي : حسداً على أن ينزل، فجيء فيه الخلاف المَشْهُور، أهو في موضع نصب أو جر؟
والثالث : أنه في م حل جر بدلاً من « ما » في قوله تعالى :« بِمَا أَنْزَلَ اللهُ » [ بدل اشتمال أي بإنزال الله ] فيكون كقول امرىء القيس :[ الطويل ]
٦٦١ أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى أَنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ | فَتَصُرُ عَنْهَا خُطْوَةً أَوْ تُبُوصُ |
على تشديده في « الحجر » ﴿ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ ﴾ [ الحجر : ٢١ ] وقد خالفا هذا الأصل.
أما أبو عمرو فإنه شدد ﴿ على أَن يُنَزِّلٍ آيَةً ﴾ [ الأنعام : ٣٧ ] في « الأنعام ».
وأما أبن كثير فإنه شدّد في الإسراء ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن ﴾ [ الإسراء : ٨٢ ] ﴿ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً ﴾ [ الإسراء : ٩٣ ]
والباققون بالتشديد في جميع المضارع إلاّ حمزة والكسائي، فإنهما خالفا هذا الأصل مخففاً ﴿ وَيُنَزِّلُ الغيث ﴾ آخر لقمان [ لقمان : ٣٤ ] ﴿ وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث ﴾ في الشورى [ الآية : ٢٨ ].
والهمزة والتضعيف للتعدية، وقد تقدم : هل بينهما فَرْق؟ وتحقيق كلّ من القولين، وقد ذكر القراء مناسبات الإجماع على الشديد في تلك المواضع، ومخالفة كلّ واحد أصله؟ لماذا بما يطول ذكره والأظهر من ذلك كله أنه جمع بين اللغات.
قوله :« مِنْ فَضْلِهِ » من لابتداء الغاية، وفيه قولان :
أحدهما : أنه صفة لموصوف محذوف هو مفعول « ينزل » أي : ينزل الله شيئاً كائناً من فَضْله، فيكون في محلّ نصب.
والثاني : أن « من » زائدة، وهو رأي الأخفش، وحينئذ فلا تعلق له، والمجرور بها هو المفعول أي : أن ينزل الله فضله.
قوله :« عَلَى مَنْ يَشَاءُ » متعلّق ب « ينزل » و « من » يجوز أن تكون موصولةً، أو نكرة موصوفة، والعائد على الموصول أو الموصوف محذوف لاستكمال الشُّروط المجوزة للحذف، والتقدير : على الذي يَشَاؤه، أو على رجل يَشَاؤه.