﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ ﴾ [ البقرة : ٦٠ ] وإما أن تؤكد مضمون جملة، فإن كان الثاني التزم بإضمار عاملها، وتأخيرها عن الجملة، ومثله أنشد سيبويه :[ البسيط ]

٦٦٤ أَنا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوفاً بِهَا نَسَبِي وَهَلْ بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ مِنّ عَارِ
والتقدير : وهو الحق أحُقّه مصدقاً وابنَ دَارَةَ أعْرَف معروفاً، هذا تقرير كلام النحويين، وأما أبو البقاء، فإنه قال : مصدقاً حال مؤكِّدة، والعامل فيها ما في « الحق » من معنى الفعل، إذ المعنى : وهو ثابت مصدقاً، وصاحب الحال الضمير المستتر في « الحَقّ » عند قوم، وعند آخرين صاحب الحال ضمير دلّ عليه الكلام، و « الحق » : مصدر لا يتحّمل الضمير على حسب تحمّل اسم الفاعل له عندهمم.
فقوله :« وعند آخرين » هو القول الذي قدّمناه وهو الصواب، و « ما » في قوله :« لِمَا مَعَهُمْ » في موضع خفض باللام، و « معهم » صلتها، و « معهم » نصب بالاستقرار.

فصل في بيان ما تشير إليه الآية


وهذا أيضاً إشارة إلى وجوب الإيمان بمحمد ﷺ من وَجْهَيْنِ :
الأول : أن محمداً ﷺ لم يتعلم [ علماً ]، ولا استفاد من أُسْتاذ، فلما أخبر بالحكايات والقصص موافقاً لما في التوراة من غير تفاوت أصلاً علمنا أنه ﷺ إنما استفادها من الوَحْي والتنزيل.
والثاني : أن القرآن يدلّ على نبوته عليه الصَّلاة والسَّلام فلما أخبر الله تعالى عنه أنه مصدق للتوراة، وجب اشتمال التَّوْراة على الإخبار عن نبوته، وإلاَّ لم يكن القرآن مصدقاً للتوراة، بل مكذباً لها، وإذا كانت التوراة مشتملةً على نبوته عليه الصَّلاة والسَّلام، وهم قد اعترفوا بموجوب الإيمان بالتوراة لزمهم من هذه الجهة وجوب الإيمان بالقرآن.
قوله :« فلم تقتلون » الفاء جواب شرط مقدر وتقديره : إن كنتم آمنتم بما أنزل عليكم فلم قتلتم الأنبياء؟ وهذا تكذيب لهم؛ [ لأن الإيمان بالتوراة مناف لتقل أشرف خلقه وذلك ] لأن التوراة دلّت على أن المعجزات تدلّ على الصدق، وتدل على أنّ من كان صادقاً في ادعاء النبوة كان قتله كفراً، وإذا كان الأمر كذلك كان السعي في قَتْل يحيى وزكريا وعيسى عليهم السلام كفراً فلم سعيتم في ذلك إن صدقتم في ادّعائكم كونكم مؤمنين بالتوراة؟
و « لم » جار ومجرور، واللام حرف، و « ما » استفهامية في محلّ جرن أي : لأي شيء؟ ولكن حذف ألفها فرقاً بينها وبين « ما » الخبرية.
وقد تحمل الاستفهامية على الخبرية فتثبت ألفها؛ قال الشاعر :[ الوافر ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
٦٦٥ عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ