﴿ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ ﴾ [ فصلت : ٢٦ ] وتواصوا بالإعراض عنه أراد الله -تعالى- لما أحب صلاحهم ونفعهم أن يُورِدَ عليهم ما لا يعرفونه، ليكون ذلك سبباً لإسْكَاتِهم، واستماعهم لما يرد عليهم من القرآن، فأنزل الله -تعالى- عليهم هذه الأحرف، فكانوا إذا سمعوها قالوا كالمتعجبين : اسمعوا إلى ما يجيء به محمد ﷺ، فإذا أصغوا هجم عليهم القرآن فكان ذلك سبباً لاستماعهم، وطريقاً إلى انتفاعهم، فكان كالتنبيه لما يأتي بعده من الكلام كقوله الأول.
الحادي عشر : قول أبي العَالِيَةِ « إنّ كل حرف منها في مُدّة أعوام وآجال آخرين ».
قال ابن عباس رضي الله عنهما :« سُرّ أبو ياسِر بن أَخْطَب برسول الله - ﷺ - وهو يَتْلُو سورة البقرة » الم ذَلِكَ الكِتَابُ «، ثم أتى أخوه حُيَيُّ بن أَخْطَب، وكَعْب بن الأَشْرَف، وسألوه عن » الم « وقالوا : ننشدك الله الذي لا إله إلا هو أحقّ أنها أَتَتْكَ من السماء؟ فقال النبي ﷺ :» نعم كذلك نزلت «، فقال حُيَيّ : إن كنت صادقاً إني لأعلم أَجَلَ هذه الأمة من السنين، ثم قال : كيف ندخل في دين رجل دلّت هذه الحروف بحساب الجمل على أن منتهى أَجَل مُدّته إحدى وسبعون سنةً، فضحك رسول الله - ﷺ - فقال حُيَيّ : فهل غير هذا؟ قال :» نعم المص « فقال حُيَيّ : هذا أكثر من الأولى هذه مائة وإحدى وثلاثون سنة، فهب غير هذا؟ قال :» نعم الر « قال حُيَيّ : هذه أكثر من الأولى والثانية، فنحن نشهد إن كنت صادقاً ما ملكت أمتك إلا مائتين وإحدى وثلاثين سنةً، فهل غير هذا؟ قال :» نعم « قال :» المر « قال : فنحن نشهد أنا من الذين لا يؤمنون، ولا ندري بأي أقوال نأخذ.
فقال أبو ياسر : أما أنا فأشهد على أن أنبياءنا قد أخبرونا عم مُلْكِ هذه الأمّة، ولم يبينوا أنها كم تكون، فإن كان محمد صادقاً فيما يقول، إني لأراه يستجمع له هذا كله فقام اليهود، وقالوا اشتبه علينا أمرك، فلا ندري أَبِالْقَلِيْلِ نأخذ أم الكثير؟ فذلك قوله تعالى :﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب ﴾ [ آل عمران : ٧ ] الآية الكريمة.
ورُوي عن ابن عَبَّاس -رضي الله تعالى عنهما- أنا أقسام.
وقال الأخفش : أقسم الله -تعالى- لشرفها وفضلها؛ لأنها مبادئ كتله المنزلة، ومباني أسمائه الحسنى.
وقيل فيها غير ذلك.
واعلم أن الله -تعالى- أورد في هذه الفَوَاتح نصف عدد أَسامي حروف المُعْجَم، وهي أربعة عشر : الألف، واللام، والميم، والصاد، والراء، والكاف، والهاء، والعين، والطاء، والسين، والحاء، والقاف، والباء، والنون في تسع وعشرين سورة.
وجاءت أيضاً مختلفة الأعداد، فوردت » ص ق ن « على حرف.
و » طه وطس ويس وحم « على حرفين.