الجمهور على تحريك واو « أَوَكلما »، واختلف النحويون في ذلك على ثلاثة أقوال : فقال الأخفش : إن الهمزة للاستفهام، والوو زائدة وهذا على رأيه في جواز زيادتها.
وقال الكسائي هي « أو » العاطفة التي بمعنى « بل » و‘نما حركت الواو.
ويؤيده قراءة من قرأها ساكنة.
وقال البصريون : هي واو العطف قدمت عليها همزة الاستفهام على ما عرف.
قال القرطبي : كما دخلت همزة الاستفهام على « الفاء » في قوله :﴿ أَفَحُكْمَ الجاهلية ﴾ [ المائدة : ٥٠ ]، ﴿ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم ﴾ [ يونس : ٤٢ ]، ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ ﴾ [ الكهف : ٥٠ ].
وعلى « ثم » كقوله :« أَثُمَّ إِذَا مَا ».
وقد تقدم أن الزمخشري يقدر بين الهمزة وحرف العطف شيئاً يعطف عليه ما بعده، لذلك قدره هُنَا : أكفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا.
وقرأ أبو السّمَال العدوي :« أوْ كلما » ساكنة ا لواو، وفيها ثلاثة أقوال : فقال الزمخشري : إنها عاطفة على « الفاسقين »، وقدره بمعنى إلا الذين فسقوا أو نقضوا، يعني به : أنه عطف الفعل على الاسم؛ لأنه في تأويله كقوله :﴿ إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ ﴾ [ الحديد : ١٨ ] أي : اصَّدَّقُوا وأقرضوا.
وفي هذا كلام يأتي في سورته إن شاء الله تعالى.
وقال المهدوي :« أو » لانقطاع الكلام بمنزلة « أم » المنقطعةن يعني أنها بمعنى « بل »، وهذا رأى الكوفيين، وقد تقدم تحريره وما استدلّوا به من قوله :[ الطويل ]

٦٨٧................ ..... أَوْ أَنْتَ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ
في أول السورة.
وقال بعضهم : هي بمعنى « الواو » فتتفق القراءاتان، وقد وردت « أو » بمنزلة « الواو »
كقوله :[ الكامل ]
٦٨٨........................ مَا بَيْنَ مُلْجِمِ مُهْرِهِ أَوْ سَافِعِ
﴿ خطيائة أَوْ إِثْماً ﴾ [ النساء : ١١٢ ] ﴿ آثِماً أَوْ كَفُوراً ﴾ [ الإنسان : ٢٤ ] فلتكن [ هنا ] كذلكن وهذا أيضاَ رأي الكوفيين.
والناصب ل « كلّما » بعده، وقد تقدم تحقيق القول فيها، وانتصاب « عَهْداً » على أحد وجهين : إما على المصدر الجاري على غير المصدر وكان الأصل :« مُعَاهَدَة » أو على المفعول به على أن يضمن عاهدوا معنى « أَعْطوْا » ويكون المفعول الأول محذوفاً، والتقدير : عاهدوا الله عَهْداً.
وقرىء :« عَهِدُوا » فيكون « عَهْداً » مصدراً جارياً على صدره.
وقرىء أيضاً :« عُوهِدُوا » مبيناً للمفعول.
قال ابن الخطيب : المقصود من هذه الاستفهام، الإنكار، وإعظام ما يقدمون عليه، ودلّ قوله :« أو كلما عاهدوا » على عهد بعد عهد نقضوه، ونبذوه، ويدل على أن ذلك كالعادة فيهم، فكأنه تعالى أراد تسلية الرسول ﷺ عن كفرهم بما أنزل عليه من الآيات بأن ذلك ليس ببدع منهم، بل هو سجيّتهم وعادتهم، وعادة سَلَفهم على ما بيّنه فيما تقدم من نَقْضهم العهود والمواثيق حالاً بعد حال؛ لأن من يعتاد منه هذه الطريقة، فلا يصعب على النفس مُخَالفته كصعوفة مَنْ لم تَجْرِ عادته بذلك.


الصفحة التالية
Icon