١٠١- أَقُولُ لَهُ والرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنَهُ | تَأَمَّلْ خُفَافاً إِنَّنِي أنا ذَلِكَا |
أو لأنه كان موجوداً به بنبيّه ﷺ.
أو أنه أشير به إلى ما قضاه وقدّره في اللَّوح المحفوظ.
وفي عبارة المفسرين أشير بذلك إلى الغائب يعنون البعيد، وإلا فالمشار إليه لا يكون إلا حاضراً ذِهْناً أو حِسّاً، فعبروا عن الحاضر ذِهْناً بالغائب أي حسّا وتحريراً لقول ما ذكرته لك. وقال الأصَمّ وابن كيْسَان : إن الله -تعالى- أنزل قبل سورة « البقرة » سوراً كذب بها المشركون، ثم أنزل سورة « البقرة » فقال :« ذلك الكتاب » يعني ما تقدّم « البقرة » من السّور لا شك فيه.
قال ابن الخَطِيب رحمه الله تعالى : سلّمنا أن المُشَار إليه حاضر، لكن لا نسلّم أن لفظة « ذلك » لا يشار بها إلا إلى البعيد.
بيانه : أن « ذلك » و « هذا » حرف إشارة، وأصلهما « ذا » لأنه حرف الإشارة، قال تعالى :﴿ مَّن ذَا الذي ﴾ لبقرة : ٢٤٥ ].
ومعنى « ها » تنبيه، فإذا قرب الشيء أشير إليه فقيل : هذا، أي : تَنَبَّهْ أيّها المُخَاطب لما أشرت إليه، فإنه حاضر معك بحيث تَرَاه، وقد تدخل « الكاف » على « ذَا » للمخاطبة، و « اللام » لتأكيد معنى الإشارة، فقيل :« ذلك »، فكأن المتكلّم بالغ في التنبيه لتأخّر المُشَار إليه عنه، فهذا يدلّ على أن لفظة « ذلك » لا تفيد البُعْد في أصل الوَضْع، بل اختص في العُرْف بالفرس، وإن كانت في أصل الوضع متناولة لكل ما يدبّ على الأرض.
وإذا ثبت هذا فنقول : إنا نحمله ها هنا على مقتضى الوضع اللّغوي، لا على مقتضى الوضع العرفي، وحينئذ لا يفيد البُعْد، ولأجل هذه المُقَارنة قام كلّ واحد من اللَّفْظَين مقام الآخر.
قال تعالى :﴿ واذكر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [ ص : ٤٥ ]، إلى قوله :﴿ وَكُلٌّ مِّنَ الأخيار ﴾ [ ص : ٤٨ ] ثم قال :﴿ هذا ذِكْرٌ ﴾ [ ص : ٤٩ ] وقال :﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف أَتْرَابٌ هذا مَا تُوعَدُونَ ﴾ [ ص : ٥٢- ٥٣ ].
وقال :﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ ق : ١٩ ].
وقال تعالى :﴿ فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يخشى ﴾ [ النازعات : ٢٤-٢٥ ].
وقال تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ] وقال تعالى :﴿ إِنَّ فِي هذا لَبَلاَغاً ﴾ [ الأنبياء : ١٠٦ ].
وقال :﴿ فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى ﴾ [ البقرة : ٧٣ ] [ أي هكذا يحيي الموتى ].
وقال :﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى ﴾ [ طه : ١٨ ] أي ما هذه التي بيمينك.
و « الكتاب » في الأصل مصدر؛ قال تعالى :﴿ كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٤ ] وقد يراد به المكتوب، قال الشاعر :[ الطويل ]
١٠٢- بَشَرْتُ عِيَالِي إِذْ رأَيْتُ صَحِيفَةً | أَتَتْكَ مِنَ الحَجَّاجِ يُتْلَى كِتَابُهَا |