ومثله [ الوافر ]
١٠٣- تُؤَمِّلُ رَجْعَةً مِنِّي وفِيهاَ | كِتَابٌ مِثْلُ مَا لَصِقَ الْغِرَاءُ |
١٠٤- وَفْرَاءَ غَرْفِيَّةٍ أَثْأَى خَوَارِزُهَا | مُشَلْشِلٌ ضَيَّعَتْهُ بَيْنَهَا الْكُتَبُ |
١٠٥- لاَ تَأْمَنَنَّ فَزَارِيَّا حَلَلْتَ بِهِ | عَلَى قَلُوصِكَ واكتُبْهَا بِإِسْيَارِ |
قال ابن الخطيب :« واتفقوا على أنَّ المراد من الكتاب القرآن، قال تبارك وتعالى :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ﴾ [ ص : ٢٩ ].
والكتاب جاء في القرآن جاء في القرآن على وجوه :
أحدها : الفرض ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام ﴾ [ البقرة : ١٨٣ ]، ﴿ إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً ﴾ [ النساء : ١٠٣ ].
ثانيها : الحُجَّة والبُرْهان :﴿ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [ الصافات : ١٥٧ ] أي : بِبُرْهانكم وحجّتكم.
ثالثها : الأَجَل :﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴾ [ الحجر : ٤ ] أي : أَجَل.
رابعها : بمعي مُكَاتبة السيد عبده :﴿ والذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [ النور : ٣٣ ] وهذا المصدر » فِعَال « بمعنى » المُفَاعلة « كالجِدَال والخَصَام والقِتَال بمعنى : المُجَادلة والمُخَاصمة والمُقَاتلة.
والكتاب -هنا- المُرَاد به القرآن، وله أسماء :
أحدها : الكِتَاب كما تقدم.
وثانيها : القُرْآن :﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً ﴾ [ الزخرف : ٣ ]، ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ].
وثالثها : الفُرْقَان :﴿ تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان ﴾ [ الفرقان : ١ ].
ورابعها : الذِّكْر، والتَّذْكِرَة، والذِّكْرَى :﴿ وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ﴾ [ الأنبياء : ٥٠ ]، ﴿ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤٨ ] وقوله تعالى :﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين ﴾ [ الذاريات : ٥٥ ].
وخامسها : التَّنْزِيل :﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين ﴾ [ الشعراء : ١٩٢ ].
وسادسها : الحديث :﴿ الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث ﴾ [ الزمر : ٢٣ ].
وسابعها : المَوْعِظَة :﴿ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ يونس : ٥٧ ].
وثامنها : الحُكْم، والحِكْمَة، والحَكِيم، والمُحْكَم :﴿ وكذلك أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً ﴾ [ الرعد : ٣٧ ]، ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ﴾ [ القمر : ٥ ]، ﴿ يس والقرآن الحكيم ﴾ [ يس : ١-٢ ]، ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾ [ هود : ١ ].
وتاسعها : الشِّفَاء :﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ ﴾ [ الإسراء : ٨٢ ].
وعاشرها : الهُدَى، والهَادِي ﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ]، ﴿ إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [ الإسراء : ٩ ]، ﴿ قُرْآناً عَجَباً يهدي إِلَى الرشد ﴾ [ الجن : ١-٢ ].
وذكروا له أسماء أُخَر منها :
» الصِّرَاط المستقيم، والعِصْمَة، والرَّحْمَة، والرُّوح، والقَصَص، والبَيَان، والتِّبْيَان، والمُبِين، والبَصَائر، والفَصْلُ، والنُّجُوم، والمَثَاني، والنّعْمَة، والبُرْهَان، والبَشِير، والنَّذِير، والقَيِّم، والمُهَيْمِن، والنور، والحق، والعزيز، والكريم، والعظيم، والمبارك «.
قوله تعالى :﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾.
يجوز أن يكون خبراً كما تقدّم بيانه.
قال بعضهم : هو خبر بمعنى النّهي، أي : لا ترتابوا فيه كقوله تعالى :﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ ﴾ [ البقرة : ١٩٧ ] أي : لا ترفثوا ولا تفسقوا.
قرأ ابن كثير :» فِيهِ « بالإشباع في الوَصْلِ، وكذلك كل هاء كناية قبلها ساكن يشبعها وصلاً ما لم يَلِهَا ساكن، ثم إن كان السَّاكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسر ياء، وإنْ كان غيرها يشبعها بالضم واواً، ووافقه حفص في قوله :﴿ فِيهِ مُهَاناً ﴾ [ الفرقان : ٦٩ ] فأشبعه.
ويجوز أن تكون هذه الجملة في محلّ نصب على الحال، والعامل فيه معنى الإشارة، و » لا « نافية للجنس محمولة في العمل على نقيضها.