١١٢- لَيْسَ فِي الحَقِّ يَا أُمَيْمَةُ رَيْبٌ ........................
وثانيها : التُّهْمَةُ؛ قال جميل بُثَيْنَةَ :[ الطويل ]
١١٣- بُثَيْنَةُ قَالَتْ يَا جَمِيلُ أَرَيْتَنِي... فَقُلْتُ : كِلاَنَا يَا بُثَيْنُ مُرِيبُ
وثالثها : الحاجات؛ قال :[ الوافر ]
١١٤- قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ وَخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمَعْنَا السُّيُوفَا
قال ابن الخطيب : الريب قريب من الشك، وفيه زيادة، كأنه ظن سوء، كأنه ظن سوء، تقول : رَابَني أمر فلان إذا ظننت به سوءاً.
فإن قيل : قد يستعمل الريب في قولهم :« ريب الدهر » و « ريب الزمان » أي : حوادثه، قال تعالى :﴿ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون ﴾ [ الطور : ٣٠ ] ويستعمل أيضاً فيما يختلج في القلب من أسباب الغيظ، كقول الشاعر :[ الوافر ]
١١٥- قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلُّ رَيْبٍ ..................
قلنا : هذا يرجعان إلى معنى الشك، لأن من يخاف من ريب المنون محتمل، فهو كالمشكوك فيه، وكذلك ما اختلج بالقلب فهو غير متيقن، فقوله تعالى :﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ المراد منه : نفي كونه مَظَنَّةً للريب بوجه من الوجوه، والمقصود أنه لا شُبْهَة في صحته، ولا في كونه من عند الله تعالى ولا في كونه معجزاً. ولو قلت : المراد لا ريب في كونه معجزاً على الخصوص كان أقرب لتأكيد هذا التأويل بقوله تعالى :﴿ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا ﴾ [ البقرة : ٢٣ ].
فإن قيل : لم تأت، قال ها هنا :« لاَ رَيْبَ فِيهِ » وفي موضع آخر :﴿ لاَ فِيهَا غَوْلٌ ﴾ [ الصافات : ٤٧ ] قلنا : لأنهم يقدمون الأهمّ، وهاهنا الأهم نفي الريب بالكليّة عن الكتاب.
ولو قلت :« لا فيه ريب » لأَوْهَمَ أن هناك كتاباً آخر حصل فيه الريب لا ها هنا، كما قصد في قوله تعالى ﴿ لاَ فِيهَا غَوْلٌ ﴾ تفضيل خمر الجنّة على خمر الدنيا، بأنها لا تَغْتَال العقول كما تغتالها خمر الدنيا. فإن قيل : من أين يدلّ قوله :« لاَ رَيْبَ فِيهِ » على نفي الريب بالكلية؟ قلنا القراءة المشهورة توجب ارتفاع الريب بالكلية، والدّليل عليه أن قوله :« لا ريب » نفي لماهيّة الريب؛ ونفي الماهية يقتضي نفي كل فرد من أفراد الماهية؛ لأنه لو ثبت فرد من أفراد الماهيّة لثبتت الماهية، وذلك مُنَاقض نفي الماهية، ولهذا السّر كان قولنا :« لا إله إلا الله » نفياً لجميع الآلهة سوى الله تعالى.
وقرأ أبو الشعثاء :« لاَ رَيْبُ فِيهِ » بالرفع، وهو نقيض لقولنا :« ريب فيه »، وهذا يفيد ثبوت فرد واحدٍ، وذلك النفي يوجب انتفاء جميع الأفراد، فيتحقق التناقض.
والوقف على « فيه » هو المشهور.
وعن نافع وعاصم أنهما وَقَفَا على « ريب »، ولا بد للواقف من أن ينوي خبراً، ونظيره قوله :﴿ لاَ ضَيْرَ ﴾ [ الشعراء : ٥٠ ] وقول العرب :« لا بأس ».
واعلم أن الملحدة طعنوا فيه وقالوا : إن عني أنه لا شَكّ فيه عندنا، فنحن قد نشك فيه، وإن عني أنه لا شكّ فيه عنده فلا فائدة فيه.


الصفحة التالية
Icon