الجواب :[ المراد ] أنه بلغ في الوضوح إلى حيث لا ينبغي لمرتاب أن يرتاب فيه، والأمر كذلك؛ لأن العرب مع بلوغهم في الفَصَاحة إلى النهاية عجزوا عن معارضة أَقْصَرِ سورة من القرآن، وذلك يشهد بأنه لقيت هذه الحُجَّة في الظهور إلى حيث لا يجوز للعاقل أن يرتاب فيه.
وقيل : في الجواب وجوه أخر :
أحدها : أن النفي كونه متعلقاً للريب، المعنى : أنه منعه من الدلالة، ما إن تأمله المُنْصِف المحق لم يرتب فيه، ولا اعتبار بمن وجد فيه الريب؛ لأنه لم ينظر فيه حَقّ النظر، فريبه غير معتدّ به.
والثاني : أنه مخصوص، والمعنى : لا ريب فيه عند المؤمنين.
والثالث : أنه خبر معناه النهي. والأول أحسن.
قوله تعالى :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾. يجوز فيه عدة أوجه :
أحدها : أن يكون مبتدأ، وخبره فيه متقدماً عليه إذا قلنا : إن خبر « لا » محذوف.
وإن قلنا :« فيه » خبرها، كان خبره محذوفاً مدلولاً عليه بخبر « لا »، تقديره : لا ريب فيه، فيه هدى، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر تقديره : هو هدى، وأن يكون خبراً ثانياً ل « ذلك »، على أن يكون « الكتاب » صفةً أو بدلاً، أو بياناً، و « لا ريب » خبر أول، وأن يكون خبراً ثالثاً ل « ذلك »، على أن يكون « الكتاب » خبراً أول، و « لا ريب »، خبراً ثانياً، وأن يكون منصوباً على الحل من « ذلك »، أو من « الكتاب »، والعامل فيه على كلا التقديرين اسم الإشارة، وأن يكون حالاً من الضَّمير في « فيه »، والعامل ما في الجَارِّ والمجرور من معنى الفعْلٍ، وجعله حالاًَ مما تقدم : إما على المُبَالغة، كأنه نفس الهُدَى، أو على حذف مضاف، أي : ذا هُدَى، أو على وقوع المصدر موقع اسم الفاعل، وهكذا كلُّ مصدر وقع خبراً، أو صفة، أو حالاً فيه الأقوال الثلاثة، أرجحها الأول.
وأجازوا أن يكون « فيه » صفةً ل « ريب »، فيتعلّق بمحذوف، وأن يكون متعلقاً ب « ريب »، وفيه إشكال؛ لأنه يصير مطولاً، واسم « لا » إذا كان مطولاً أعرب إلاّ أن يكون مُرَادهم أنّه معمول لِمَا عليه « ريب » لا لنفس « ريب ».
وقد تقدّم معنى الهدى « عند قوله تبارك وتعالى :﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾ [ الفاتحة : ٦ ].
و » هُدّى « مصدر على وزن » فُعَل « فقالوا : ولم يجىء من هذا الوزن في المَصَادر إلا » سُرّى « و » بُكّى « و » هُدّى «، وجاء غيرها، وهو » لَقِيتُهُ لُقًى « ؛ قال الشَّاعر :[ الطويل ]