١١٦- وَقَدْ زَعَمُوا حُلْماً لُقَاكَ وَلَمْ أَزِدْ بحَمْدِ الَّذي أَعْطَاكَ حِلْماً وَلاَ عَقْلا
و « الهدى » فيه لغتان : التذكير، ولم يذكر اللّحْياني غيره.
وقال الفراء : بعض بني أسد يؤنثه، فيقولون : هذه هدى.
و « في » معناها الظرفية حقيقةً أو مجازاً، نحو :« زيد في الدار »، ﴿ وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ ﴾ [ البقرة : ١٧٩ ] ولها معان آخر :
المصاحبة : نحو :﴿ ادخلوا في أُمَمٍ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ].
والتعليل :« إن امرأة النَّارِ في هِرَّةٍ » وموافقة « على » :﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل ﴾ [ طه : ٧١ ] [ أي : على جذوع ]، والباء :﴿ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ﴾ [ الشورى : ١١ ] أي بسببه.
والمقايسة نحو قوله تعالى :﴿ فَمَا مَتَاعُ الحياة الدنيا فِي الآخرة ﴾ [ التوبة : ٣٨ ].
و « الهاء » في « فيه » أصلها الضم كما تقدم من أن « هاء » الكناية أصلها الضم، فإن تقدمها ياء ساكنة، أو كسرة كسرها غري الحجازيين، وقد قرأ حمزة :« لأَهْلِهُ امْكُثُوا » وحفص في :« عَاهَدَ عَلَيهُ الله » [ الفتح : ١٠ ]، ﴿ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ﴾ [ الكهف : ٦٣ ] بلغه أهل الحِجَاز، والمشهور فيها -إذا لم يلها ساكن وسكن ما قبلها نحو :« فيه » و « منه » - الاختلاس، ويجوز الإشْبَاع، وبه قرأ ابن كثير، فإن تحرّك ما قبلها أُشْبِعَتْ، وقد تختلس وتسكن، وقرىء ببعض ذلك كما سيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.
و « للمتقين » جارّ ومجرور متعلّق ب « هدى ».
وقيل : صفة ل « هدى »، فيتعلّق بمحذوف، ومحله حينئذ : إما الرفع أو النصب بحسب ما تقدم في موصوفه، أي هدى كائن أو كائناً للمتقين.
والحسن من هذه الوجوه المتقدمة كلها أن تكون كل جملة مستقلّة بنفسها، ف « الم » جملة إن قيل : إنها خبر مبتدأ مضمر، و « ذلك الكتاب » جملة، و « لا ريب » جملة، و « فيه هدى » جملة، وإنما ترك العاطف لشدّة الوصل؛ لأن كلّ جملة متعلّقة بما قبلها آخذة بعنقها تعلقاً لا يجوز معه الفصل بالعطف.
قال الزمخشري :« وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة حيث جيء بها مُتَنَاسقة هكذا من غير حرف نسق. [ وذلك لمجيئها مُتَتَابعة بعضها بعنق ] بعض، والثانية متحدة بالأولى، وهلم جَرَّاً إلى الثالثة والرابعة.
بيانه : أنه نبّه أولاً على أنه الكلام المتحدي به، ثم أشير إليه بأنه الكتاب المَنْعُوت بنهاية الكَمَال، فكان تقريراً لجهة التحدي. ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب، فكان شهادة بكماله.
ثم أخبر عنه بأنه »
هدى للمتقين «، فقرر بذلك كونه يقيناً، لا يحوم الشّك حوله، ثم لم تَخْلُ كل واحدة من هذه الأربع بعد أن رتبت هذه الترتيب الأنيق [ من ] نُكْتَةٍ ذات جَزَالة : ففي الأولى الحذف، والرمز إلى الغرض بألطف وجه.
وفي الثانية ما في التعريف من الفَخَامة.


الصفحة التالية
Icon