وأجيب عن هذا الإشكال بأن بعثة محمد -E- بالإسلام، وتجديد الشريعة أمر طبق الآفاق، ولا شَكّ أنه وضع عبارات، فاحتاج إلى وضع ألفاظ، ونقل ألفاظ عمّا كانت عليه، والتعبير مشهور.
وأما ما ذكره من احتمال التعبير فلا دليل عليه، ولا ضرورة إلى تقديره فافترقا.
و « الصَّلاة » لغة : الدّعاءُ :[ ومنه قول الشاعر ] [ البسيط ]
١٢٢- تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبْتُ مُرْتَحلاً | يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأَوْصَابَ وَالوَجَعَا |
فَعَلَيكِ مِثْلُ الَّذي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي | يَوماً فَإِنَّ لجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجِعاً |
١٢٣- لَهَا حَارِسٌ لاَ يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا | وإِن ذُبِحَتْ صَلَّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا |
وقيل : هي مأخوذة من اللزوم، ومنه :« صَلِيَ بِالنَّارِ » أي : لزمها، ومنه قوله تعالى :﴿ تصلى نَاراً حَامِيَةً ﴾ [ الغاشية : ٤ ] قال :[ الخفيف ]
١٢٤- لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّ | هُ وإِنِّي بِحَرِّهَا الْيَومَ صَالِ |
١٢٥- فَلاَ تَعْجَلْ بِأَمْرِكَ واسْتَدِمْهُ | فَمَا صَلَّى عَصَاكَ كَمُسْتَدِيمِ |
﴿ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ مما : جاء ومَجْرور متعلّق ب « ينفقون » و « ينفقون » معطوف على الصّلة قبله، و « ما » المجرورة تحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون اسماً بمعنى « الذي »، و « رزقناهم » صِلَتِهَا، والعائد محذوف.
قال أبو البقاء :« تقديره رزقناهموه، أو رزقناهم إياه ».
وعلى كل واحد من هذين التقديرين إشكال؛ لأن تقديره متصلاً يلزم منه اتصال الضَّمير مع اتحاد الرُّتبة، وهو واجب الانفصال، وتقديره منفصلاً يمنع حذفه؛ لأنَّ العائد متى كان منفصلاً امتنع حذفه، نصُّوا عليه، وعللوا بأنه لم يفصل إلا لغرض، وإذا حذف فاتت الدلالة على ذلك الغرض.
ويمكن أن يجاب عن الأوّل بأنه لما اختلف الضَّميران جمعاً وإفراداً -وإن اتحدا رتبةً- جاز اتصاله؛ ويكون كقوله :[ الطويل ]
١٢٦- فَقَدْ جَعَلَتْ نَفْسِي تَطِيبُ لِضَغْمَةٍ | لِضَغْمِهمَاهَا يَقْرَعُ الْعَظْمَ نَابُهَا |
وعن الثَّاني : بأنه إنما يمنع لأجل اللَّبْسِ موصوفةً، والكلام في عائدها كالكلام في عائدها موصولةً تقديراً واعتراضاً وجواباً.
الثَّالث : أن تكون مصدريةً، ويكون المصدر واقعاً موقع المفعول أي : مرزوقاً.