ثم قال هؤلاء : لما ثبت أه لا امتناع في الإخبار عن الفعل لم يكن بنا حاجةٌ إلى ترك الظاهر.
أما جمهور النحويين فقالوا : لا يجوز الإخبار عن الفعل، فلا جرم كان التقدير : سواء عليهم إنذارك وعدمه.
وهذه الجملة يجوز أن تكون معترضة بين اسم « إن » وخبرها، وهو « لا يؤمنون » كما تقدم، ويجوز أن تكون هي نفسها خبراً ل « إن »، وجملة « لا يؤمنون » في محل نصب على الحال، أو مستأنفة، أو تكون دعاءً عليهم بعد الإيمان -وهو بعيد- أو تكون خبراً بعد خبر على رأي من يجوز ذلك.
ويجوز أن يكون « سواء » وحده خبر « إن »، و « أأنذرتهم » وما بعده بالتأويل المذكور في محل رفع بأنه فاعل له، والتقدير : استوى عندهم الإنذار وعدمه.
و « لا يؤمنون » على ما تقدّم من الأوجه٠ أعني : الحال والاستئناف والدعاء والخبرية.
والهمزة في « أأنذرتهم » الأصل فيها الاستفهام، وهو -هنا- غير مراد، إذ المراد التسوية، و « أنذرتهم » فعل وفاعل ومفعول.
و « أم » -هنا- عاطفة وتسمى متصلةً، ولكونها متصلة شرطان :
أحدهما : أن يتقدمها همزة استفهام أو تسوية لفظاً أو تقديراً.
والثاني : أن يكون ما بعدها مفرداً أو مؤولاً بمفرد كهذه الآية، فإن الجملة فيها بتأويل مفرد كما تقدم، وجوابها أحد الشِّيئين أو الأشياء، ولا تجاب ب « نعم » ولا ب « لا »، فإن فقد الشرط سميت منقطعة ومنفصلة، وتقدر ب « بل والهمزة »، وجوابها « نعم » أو « لا » ولها أحكام أخر.
و « لم » حرف جزم معناه نفي الماضي مطلقاً خلافاً لمن خصَّها بالماضي المنقطع، ويدلّ على ذلك قوله تعالى :﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾ [ مريم : ٤ ] ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [ الإخلاص : ٣ ]. وهذا لا يتصور فيه الانقطاع، وهي من خواصّ صيغ المضارع إلاّ أنها تجعله ماضياً في المعنى كما تقدم. وهل قلبت اللفظ دون المعنى أو المعنى دون اللفظ؟
قولان : أظهرهما الثاني : وقد يحذف مجزومها كقوله :[ الكامل ]

١٤٥- إِحْفَظْ وَدِيعَتَك الَّتِي اسْتُودِعْتَهَا يَوْمَ الأَعَازِبِ، إِنْ وَصَلْتَ، وإِنْ لَمِ
و « الكفر » أصله : الستر؛ ومنه :« الليل الكَافِرُ » ؛ قال :[ الرجز ]
١٤٦- فَوَرَدَتْ قَبْلَ انْبِلاَجِ الفَجْرِ وَابْنُ ذُكَاءٍ كَامِنٌ فِي كَفْرِ
وقال [ الكامل ]
١٤٧- فَتَذَكَّرَا ثَقَلاً رَثِيداً بَعْدَمَا أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمِينَهَا فِي كَافِرِ
والكفر -هنا- الجحود. وقال آخر :[ الكامل ]
١٤٨-....................... فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا
قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ « الكفر » في القرآن على أربعة أَضْرُبٍ :
الأول : الكُفْر بمعنى ستر التوحيد وتغطيته قال تعالى :﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ ﴾ ؟


الصفحة التالية
Icon