١٥٤- أَنْذَرْتُ عَمْراً وَهُوَ فِي مَهَلٍ | قَبْلَ الصَّبَاحِ فقَدْ عَصَى عَمْرُو |
والهمزة في « أنذر » للتعدية، وقد تقدّم أن معنى الاستفهام هنا غير مراد؛ لأن التسوية هنا غير مرادة.
فقال ابن عَطيَّةَ : لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الخبر، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام؛ لأنَّ فيه التسوية التي هي الاسْتِفْهَام، ألا ترى أنك إذا قلت مخبراً :« سواء علي أَقُمْت أم قعدت »، وإذا قلت مستفهماً :« أخرج زيد أم قام » ؟ فقد استوى الأمران عندك؟ هذان في الخبر، وهذان في الاستفهام، وعدم علم أحدهما بعينه، فلما عمتهما التسوية جرى على الخبر لفظ الاستفهام؛ لمشاركته إيَّاه في الإبهام، فكلّ استفهام تسوية وإن لم تكن كل تسوية استفهاماً، إلاَّ أن بعضهم ناقشه في قوله :« أأنذرتهم أم لم تنذرهم » لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه « الخبر » بما معناه : أن هذا الذي صورته صورة استفهام ليس معناه الخبر؛ لأنه مقدر بالمفرد كما تقدم، وعلى هاذ فليس هو وحده في معنى الخبر؛ لأن الخبر جملة، وهذا تأويل مفرد، وهي مناقشة لفظية.
وروي الوقف على قوله :« أَمْ لَمْ تُنْذِرْ » والابتداء بقوله :« هُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ » على أنها جملة من مبتدأ وخبر. وهذا ينبغي ألا يلتفت إليه، وإنْ كان قد نقله الهُذَلِيّ في « الوقف والابتداء » له.
وقرىء « أأنذرتهم » بهمزتين محقّقتين بينهما ألف، وبهمزتين، محقّقتين بلا ألف بينهما وهي لغة « بني تميم »، وأن تكون الأولى قوية، والألف بينهما، وتخفيف الثانية بين بين، وهي لغة « الحجاز » وبتقوية الهمزة الأولى، وتخفيف الثانية، وبينهما ألف. فمن إدخال الألف بين الهمزتين تخفيفاً وتحقيقاً قوله :[ الطويل ]
١٥٥- أَيَا ظَبْيَةَ الوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلاَجِلٍ | وَبَيْنَ النَّقَا آأَنْتَ أَمْ أُمُّ سَالِمِ؟ |
١٥٦- تَطَالَلْتُ فَاسْتَشْرَفْتُهُ فَعَرَفْتُهُ | فَقُلْتُ لَهُ آأَنْتَ زَيْدُ الأَرَانِبِ؟ |
ونسب الزمخشري هذه القراءة لِلَّحْنِ، قال : إنما هو بَيْنَ بَيْنَ. وهذا منه ليس بصواب، لثبوت هذه القراءة تواتراً.
وقرأ ابن محيصن بهمزة واحدةٍ على لفظ الخبر، وهمزة الاستفهام مرتدة، ولكن حذفها تخفيفاً، وفي الكلام ما يدلّ عليها، وهو قوله :« أم لم » ؛ لأن « أم » تُعَادل الهمزة، وللقراء في مثل هذه الآية تفصيل كثير.
فصل في المراد بالكافرين في الآية
المراد من « الذين كفروا » يعني مشركي العرب كأبي لَهَبٍ؛ وأبي جهل، والوليد بن المغيرة وأضرابهم.