وقال الفَارِسِيّ : قراءة الرفع الأولى، لأن النَّصب إما أن تحمله على فعل يدلّ عليه « ختم »، تقديره : وجعل على أبصارهم غشاوة، فهذا الكلام من باب :[ الكامل ]
١٦٠- يَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا | مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً |
١٦١- عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً | حتَّى شَتَتْ هَمَّالَةٌ عَيْنَاهَا |
واستشكل بعضهم هذه العبارة، وقال : لا أدري ما معنى قوله؛ لأن النصب إما أن تحمله على « خَتَم » الزاهر، وكيف تحمل « غشاوة » المنصوب على « ختم » الذي هو فعل هذا ما لا حمل فيه؟
قال : اللّهم إلا أن يكون أراد أن قوله تعالى :« ختم الله على قلوبهم » دعاء عليهم لا خَبَر، ويكون « غشاوة » في معنى المصدرية المَدْعو به عليهم القائم مقام الفعل، فكأنه قيل :
وغَشَّى الله على أبصارهم، فيكون إذ ذاك معطوفاً على « ختم » عطف المصدر النائب مناب فعله في الدّعاء، نحو :« رحم الله زيداً وسُقياً له » فتكون إذ ذاك قد حُلْت بين « غشاوة » المعطوف وبين « خَتَمَ » المعطوف عليه بالجار والمجرور. وهو تأويل حسن، إلاّ أن فيه مناقشة لفظيةً؛ لأن الفارسي ما ادّعى الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه إنما ادعى الفصل بين حرف العطف والمعطوف عليه أي بالحرف، فتحرير التأويل أن يقال : فيكون قد حُلْت بين غشاوة وبين حرف العطف بالجار والمجرور.
والقراءة المشهورة بالكسر؛ لأن الأشياء التي تدلّ على الاشتمال تجيء أبداً على هذه الزُّنَة كالعِصَابة والعِمَامَة.
والغِشَاوة فِعَالة : الغطاء من غشاه إذا غطاه، وهذا البناء لِمَا يشتمل على الشيء، ومنه غشي عليه، وَالغِشْيَان كناية عن الجِمَاع.
و « القلب » أصله المصدر، فسمي به هذا العضو الصَّنَوْبَرِي؛ لسرعة الخواطر إليه وتردُّدها عليه، ولهذا قال :[ البسيط ]
١٦٢- مَا سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلاَّ مِنْ تَقَلُّبِهِ | فَاحْذَرْ عَلَى القَلْبِ مِنْ قَلْبٍ وَتَحْوِيلِ |
و « السمع » و « السماع » مصدران ل « سمع »، وقد يستعمل بمعنى الاستماع؛ قال :[ البسيط ]
١٦٣- وَقَدْ تَوَجَّسَ رِكْزَاً مُقْفِرٌ نَدُسٌ | بِنَبْأَةِ الصَّوْتِ مَا فِي سَمْعَهَ كَذِبُ |