« من الناس » خبر مقدم، و « من يقول » مبتدأ مؤخر، و « مَنْ » تحتمل أن تكون موصولة، أو نكرة موصوفة أي : الذي يقول، أو فريق يقول، فالجملة على الأول لا محل لها؛ لكونها صلة، وعلى الثاني محلها الرفع؛ لكونها صفة للمبتدأ.
واستضعف أبو البقاء أن تَكُونَ موصولة، قال : لأن « الذي » يتناول قوماً بأعيانهم، والمعنى هنا على الإبهام.
وهذا منه غير مسلم؛ لأنّ المنقول أنّ الآية نزلت في قوم بأعيانهم كعبد الله بن أبي ورهطه.
وقال الزمخشري : إن كانت أل للجنس كانت « منْ » نكرة موصوفة كقوله :﴿ مِّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله ﴾ [ الأحزاب : ٢٣ ].
وإن كانت للعَهْد كانت موصولة، وكأن قصد مناسبة الجنس للجنس، والعهد للعهد، إلا أن هذا الذي قاله غير لازم، بل يجوز أن تكون « أل » للجنس، وتكون « منْ » موصولة، وللعهد، و « منْ » نكرة موصوفة.
وزعم الكِسَائِيّ أنها لا تكون نكرة إلاّ في موضع تختص به النكرة؛ كقوله :[ الرمل ]

١٦٨- رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظاً صَدْرَهُ لَوْ تَمَنَّى لِيَ مَوْتاً لَمْ يُطِعْ
وهذا الذي قاله هو الأكثر، إلا أنها قد جاءت في موضع لا تختصّ به النكرة؛ قال :[ الكامل ]
١٦٩- فَكَفَى بِنَا فَضْلاً عَلَى مَنْ غَيْرَنا ..........................
و « من » تكون موصولة، ونكرة موصوفة، أو زائدة؟ فيه خلاف. واستدل الكسَائي على زيادتها بقول عنترة :[ الكامل ]
١٧٠- يَا شَاةَ منْ قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لَهُ حَرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَهَا لَمْ تَحْرُمِ
ولا دليل فيه، لجواز أن تكون موصوفة ب « قَنَصٍ » إما على المبالغة، أو على حذف مضاف، وتصلح للتثنية والجمع الواحد.
فالواحد كقوله :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ﴾ [ الأنعام : ٢٥ ] والجمع كقوله :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ [ يونس : ٤٢ ]، والسبب فيه أنه موحّد اللفظ مجموع المعنى. و « مِنْ » في « من الناس » للتبعيض، وقد زعم قومٌ أنها لِلْبَيَانِ وهو غَلَطٌ؛ لعدم تقدم ما يتبين بها. و « النَّاس » اسم جمع لا واحد له من لَفْظِهَ، ويرادفه « أَنَاسِيّ » جمع إنسان أو إنسي، وهو حقيقة في الآدميين، ويطلق على الجِنّ مجازاً.
واختلف النحويون في اشتقاقه : فمذهب سيبويه والفراء أن أصله همزة ونون وسين، والأصل : أناس اشتقاقاً من الأُنس، قال :[ الطويل ]
١٧١- وَمَا سُمِّيَ الإِنْسَانُ إِلاَّ لأُنْسِهِ وَلاَ القَلْبُ إِلاَّ أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ
لأنه أنس ب « حواء ».
وقيل : بل أنس بربه ثم حذفت الهمزة تخفيفاً؛ يدلّ على ذلك قوله :[ الكامل ]
١٧٢- إِنَّ الْمَنَايَا يَطَّلِعْ نَ عَلَى الأُنَاسِ الآمِنِينَا
وقال آخر :[ الطويل ]
١٧٣- وَكُلُّ أُنَاسٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهُوَ سَارِبُ
وقال آخر :[ الطويل ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
١٧٤- وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُمْ دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الأَنَامِلُ