وذهب الكسائي إلى أنه من « نون وواو وسين » والأصل :« نوس » فقلبت « الواو » « ألفاً » لتحركها، وانفتاح ما قبلها، والنَّوسُ : الحركة.
وذهب بعضهم إلى أنه من « نون وسين وياء »، والأصل « نسي »، ثم قلبت « اللام » إلى موضع العين، فصار :« نيس » ثم قلبت « الياء » « ألفاً » لما تقدم في « نوس »، قال : سموا بذلك لنسيانهم؛ ومنه الإنسان لنسيانه؛ قال :[ البسيط ]
١٧٥- فَإِنْ نَسِيتَ عُهُوداً مِنْكَ سَالِفةً | فَاغْفِرْ فَأَوَّلُ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ |
١٧٦- لا تَنْسَيَنْ تِلْكَ الْعُهُودَ فَإِنَّمَا | سُمِّيتَ إِنْسَاناً لإِنَّكَ نَاسِي |
والقول حقيقةً : اللفظ الموضوعُ لمعنى، ويطلق على اللَّفْظِ الدَّال على النسبة الإسنادية، وعلى الكلام النَّفساني أيضاً، قال تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ ﴾ [ المجادلة : ٨ ]. وتراكيبه السّتة وهي :» القول «، و » اللوق « و » الوقل «، و » القلو «، » و « اللّقو »، و « الولق » تدل على الخفّة والسرعة، وإن اختصت بعض هذه المواد بمعانٍ أخر.
و « القول » أصل تعديته لواحد نحو :« قُلْتُ خطبة »، وتحكي بعده الجمل، وتكون في محل نصب مفعولاً بها، إلا أن يُضَمَّنَ معنى الظن، فيعمل عمله بشروط عند غير « بني سُلَيْمٍ » ؛ كقوله :[ الرجز ]
١٧٧- مَتَى تَقُولُ الْقُلُصَ الرَّوَاسِمَا | يُدْنِينَ أُمَّ قَاسِمٍ وقَاسِمَا |
١٧٨- قَالَتْ وَكُنْتُ رَجُلاً فَطِينَا | هَذَا لَعَمْرُ اللهِ إِسْرَائِينَا |
فإن قيل : الخبر لا بدّ وأن يفيد غير ما أفاد المبتدأ، ومعلوم أنّ الذي يقول كذا هو من الناس لا من غيرهم؟
فالجواب : أنّ هذا تفصيل معنوي، لأنه تقدّم ذكر المؤمنين، ثم ذكر الكَافرين، ثم عقب بذكر المُنافقين، فصار نظير التَّفصيل اللَّفظي، نحو قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ ﴾ [ البقرة : ٢٠٤ ]، ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي ﴾ [ لقمان : ٦ ]، فهو في قوّة تفصيل النَّاس إلى مؤمن، وكافر، ومنافق.
وأحسن من هذا أن يقال : إنَّ الخبر أفاد التَّبعيض المقصود؛ لأنَّ النَّاس كلهم لم يقولوا ذلك، وهم غير مؤمنين، فصار التقدير : وبعض الناس يقول كَيْتَ وكَيْت.
واعلم أن « مَنْ » وأخواتها لها لفظ ومعنى، فلفظها مفرد مذكر، فإن أريد بها غير ذلك، فَلَكَ أن تراعي لفظها مَرّة، ومعناها أخرى، فتقول : جاء مَنْ قام وقعدوا، والآية الكريمة كذلك روعي اللفظ أولاً فقيل :« من يقول »، والمعنى ثانياً في « آمنا ».