والثَّاني : أنها اسم فاعل : من « أَفَدَ يَافَدُ »، أي :« قَرُبَ ودَنَا ». المعنى : جماعمةٌ آفدة أو جماعات آفدة.
وقرِىء : أَفِدَة « بالقصر، وفيها وجهان أيضاً :
أحدهما : أن تكون اسم فالع على »
فَعِل « ك » فَرِح فهو فَرِحٌ «، وأن تكون مخففة من » أفْئِدَة « بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وحذف الهمزة.
و »
مِنْ « في » مِنَ النَّاسِ « فيها وجهان :
أحدهما : أنها لابتداء الغاية. قال الزمخشريُّ :»
ويجوز أن يكون « مِن » الابتداء الغاية، كقولك : القلبُ منِّي سقيمٌ، تريد : قَلْبي، كأنه قال : أفْئدةُ ناسٍ، وإنَّما نكرت المضاف إليه في هذا التمثيل، لتنكير « أفْئِدَة » لأنَّها في الآية نكرة ليتناول بعض الأفئدة «.
قال أبو حيَّان :»
ولا ينظر كونها للغاية؛ لأنَّه ليس لنا فعل يبتدأ فيه بغاية ينتهي إلهيا، إذ لا يصح حعل ابتداء الأفئدة من الناس «.
والثاني : أنها للتعبيض، وفي التفسير : لو لم يقل من النَّاس لحج النَّاس كلهم.
قوله : تَهْوِي »
هذا هو المفعول الثاني للجعل، والعامة على :« تَهْوِي » بكسر العين، بمعنى تسرع وتطير شوقاً إليه؛ قال :[ الكامل ]

٣٢٢٩ وإذَا رَمَيْتَ بِهِ الفِجَاجَ رَأيْتَهُ يَهْوِى مَخَارِمَها هُويَّ الأجْدلِ
وأصله أن يتعدى باللام، كقوله :[ البسيط ]
٣٢٣٠ حتَّى إذَا ما هَوتْ كفُّ الوَليدِ بِهَا طَارتْ وفِي كفِّه مِنْ رِشهَا بِتَكُ
وإنَّما عدي بإلى؛ لأ، ه ضمن معنى تميلُ، كقوله :[ السريع ]
٣٢٣١ يَهْوِي إلى مكَّة يَبْغِي الهُدَى ما مُؤمِنُ الجِن ككُفَّارِهَا
وقرأ أمير المؤمنين علي، وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، ومجاهدٌ رضي الله عنهم بفتح الواو، وفيه قولان :
أحدهما : أن « إلى » زائدة، أي : تهواهم.
والثاني : أنه ضمن معنى تنزع وتميل، ومصدر الأول على « هُوّى » ؛ كقوله :[ الكامل ]
٣٢٣٢...................... يَهْوِي مَخارِمَها هُوي الأجْدلِ
ومصدر الثاني على « هَوًى ».
وقال أبو البقاء :« معناهما متقاربان، إلا أنَّ » هوى « يعني بفتح الواو متعمد بنفسه، وإنَّما عدِّي ب :» إلَى « حملاً على تميلُ ».
وقرأ مسلمة بن عبد الله :« تُهْوى » بضم التاءِ، وفتح الواو مبنياً للمفعول، من « أهْوى » المنقول من « هَوَى » اللازم، أي : يسرع بها إليهم.

فصل


قال المفسرون : قوله ﴿ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي ﴾ أدخل « مِنْ » للتعبيض، والمعنى : أسكنت من ذريتي ولداً :﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ وهو مكة؛ لأنَّ مكَّة وادٍ بين جبلين :﴿ عِندَ بَيْتِكَ المحرم ﴾.
روي عن ابن عبَّاسٍ، رضي الله عنهما : أول ما أتَّخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل صلوات الله وسلامه عليه اتخذت منطلقاً لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت، وليس بمكَّة يومئذ أحد، وليس فيها ماء، ووضع عندها إناء فيه تمرٌ، وسقاء فيه ماء ثمَّ قال إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه منطلقاً، فتبعته هاجر، فقالت : يا إبراهيم إلى من تكلنا؟ فقال صلوات الله وسلامه عليه إلى الله، فقالت له : الله أمرك بهذا؟ قال : نعم، قالت : إذن لا يضيعنا، ثمَّ رجعت، فانطلق إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه حتَّى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثمَّ دعا الله بقوله :﴿ رَّبَّنَآ إني أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ الآية ثمَّ إنها عطشت وعطش الصبي؛ فجعل يتلوى، وهي تنظر إليه، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمَّ استقبلت الوادي تنظر أحداً، فلم تر أحداً، وهبطت من الصَّفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثمَّ سمعت سعي المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقالت عليها ونظرت هل ترى أحداً؟ فمل ترا أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات.


الصفحة التالية
Icon