قال أبو العبَّاس المقريزيُّ - C- : ورد لفظ « الخِزْي » في القرآن على أربعة [ معانٍ ] :
الأول : بمعنى العذاب؛ كهذه الآية؛ وكقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾ [ الشعراء : ٨٧ ] أي : لا تُعذِّبني.
الثاني : بمعنى القَتْلِ؛ قال تعالى :﴿ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا ﴾ [ البقرة : ٨٥ ]، أي : القتلُ.
قيل : نزلت في بني قريظة، ومثله :﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ ﴾ [ الحج : ٩ ] أي : فضيحة. قيل : نزلت في النضر بن الحارث.
الثالث : بمعنى الهوان، قال تعالى :﴿ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ ﴾ [ يونس : ٩٨ ] أي الهوان.
الرابع : بمعنى الفضيحة قال تعالى :﴿ رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ﴾ [ آل عمران : ١٩٢ ] أي فضحته، ومثله :﴿ وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾ [ الشعراء : ٨٧ ] ومثله :﴿ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ﴾ [ هود : ٧٨ ] ومثله :﴿ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ذلك لَهُمْ خِزْيٌ ﴾ [ المائدة : ٣٣ ].
قوله :﴿ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ﴾ مبتدأ وخبر، والعامة على « شُركَائِيَ » مدوداً، مهموزاً، مفتوح الياءِ، وفرقة كذلك تسكنها فتسقط وصلاً؛ لالتقاء الساكنين، وقرأ البزي - بخلاف عنه - بقصره مفتوح الياء، وقد أنكر جماعة هذه القراءة، وزعموا أنها غير مأخوذ بها؛ لأنَّ قصر الممدود لا يجوز إلاَّ ضرورة.
وتعجب أبو شامة من أبي عمرٍو الدانيِّ، حيث ذكرها في كتابه؛ مع ضعفها، وترك قراءاتٍ شهيرة واضحة.
قال شهاب الدِّين :« وقد روى ابن كثيرٍ - أيضاً - قصر التي في القصص، وروي عنه - أيضاً - قصرُ » وَرائِي « في مريم، وروي عنه أيضاً قَصْرُ :﴿ أَن رَّآهُ استغنى ﴾ [ العلق : ٧ ] في سورة العلق، فقد روى عنه قصر بعض الممدودات، فلا يبعد رواية ذلك هنا عنه ».
وبالجملة : قصر الممدود ضعيفٌ؛ ذكره غير واحدٍ؛ لكن لا يصلُ به على حدِّ الضرورة.
قوله :« تُشَاقُّون » قرأ نافع : بكسر النن خفيفة، والأصل : تُشاقُّونِّي فحذفها مجتزئاً عنها بالكسرة.
والباقون : بفتحها، خفيفة، ومفعوله محذوف، أي : تشاقُّون المؤمنين، أو تشاقُّون الله؛ بدليل القراءة الأولى.
وضعَّف أبو حاتم هذه القراءة؛ أعني : قراءة نافع، وقرأت فرقة : بتشديدها مكسورة، والأصل : تُشَاقُّوننِي؛ فأدغم، وقد تقدم تفصيل ذلك في :﴿ أتحاجواني ﴾ [ الأنعام : ٨٠ ] و ﴿ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴾ [ الحجر : ٥٤ ] وسيأتي في قوله تعالى :﴿ أَفَغَيْرَ الله تأمرونيا ﴾ [ الزمر : ٦٤ ].

فصل


قال الزجاج : قوله ﴿ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ﴾، أي : في زعمكم، واعتقادكم، ونظيره :﴿ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [ الأنعام : ٢٢ ] وحسنت هذه الإضافة لأنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سببٍ؛ كما يقال لمن يحمل خشبة :« خُذْ طَرفَكَ، وآخُذُ طَرفِي » فأضاف الطَّرفَ إليهِ.
ومعنى « تُشَاقُّونَ » أي : تعادون، وتخاصمون المؤمنين في شأنهم، والمشاقَّة : عبارة عن كون أحد الخصمين في شقٍّ، والخصم الآخر في الشق الآخر.
ثم قال تعالى :﴿ قَالَ الذين أُوتُواْ العلم ﴾ قال ابن عباسٍ : يريد الملائكة، وقال آخرون : هم المؤمنون الذين يقولون حين يرون خزي الكفار في القيامة :﴿ إِنَّ الخزي اليوم والسواء ﴾ العذاب ﴿ عَلَى الكافرين ﴾ وفائدة هذا الكلام : أنَّ الكفار كانوا يتكبَّرون على المؤمنين في الدنيا، فإذا ذكر المؤمنون هذا الكلام يوم القيامة؛ كان هذا الكلام في إيذاء الكفار أكمل وحصول الشماتة أقوى.


الصفحة التالية
Icon