فصل في احتجاج المرجئة بالآية
احتج المرجئة بهذه الآية على أنَّ العذاب مختصٌّ بالكافرين، [ قالوا :] فإن قوله تعالى :﴿ إِنَّ الخزي اليوم والسواء ﴾ في يوم القيامة مختص بالكافرين، ويؤكد هذا قول موسى - عليه السلام- :﴿ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ وتولى ﴾ [ طه : ٤٨ ].
قوله :« اليَوْمَ » منصوب ب « الخِزْيَ » وعمل المصدر فيه « ألْ » وقيل : هو منصوب بالاستقرار في ﴿ عَلَى الكافرين ﴾ إلاَّ أنَّ فيه فصلاً بالمعطوف بين العامل ومعموله؛ واغتفر ذلك؛ لأنهم يتوسَّعون في الظروف.
قوله :﴿ الذين تَتَوَفَّاهُمُ ﴾ يجوز أن يكون الموصول مجرور المحلِّ؛ نعتاً لما قبله، أو بدلاً منه، أو بياناً له، وأن يكون منصوباً على الذم أو مرفوعاً عليه، أو مرفوعاً بالابتداء، والخبر قوله ﴿ فَأَلْقَوُاْ السلم ﴾ والفاء مزيدة في الخبر؛ قاله ابن عطية.
وهذا لا يجيء إلاَّ على رأي الأخفش؛ في إجازته زيادة الفاء في الخبر مطلقاً؛ نحو :« زيْدٌ فقامَ »، أي : قام، ولا يتوهم أنَّ هذه الفاء هي التي تدخل مع الموصول المضمَّن معنى الشَّرط؛ لأنَّه لو صرَّح بهذا الفعل مع أداة الشرط، لم يجز دخول الفاء عليه؛ فما ضمِّن معناه أولى بالمنع؛ كذا قاله أبو حيان، وهو ظاهر.
وعلى الأقوالِ المتقدمة، خلا القول الأخير يكون « الَّذينَ » وصلته داخلاً في القول، وعلى القول الأخير، لا يكون داخلاً فيه، وقرأ « يَتوفَّاهُمُ » بالياءِ في الموضعين حمزة، والباقون : بالتاء من فوق؛ وهما واضحتان مما تقدم في قوله :﴿ فَنَادَتْهُ الملاائكة ﴾ [ آل عمران : ٣٩ ] وناداه، وقرأت فرقة : بإدغام إحدى التاءين في الأخرى، وفي مصحف عبد الله :« تَوفَّاهمُ » بتاء واحدة، وهي محتملة للقراءةِ بالتشديد على الإدغام، وبالتخفيف على حذف إحدى التَّاءين.
و ﴿ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ حالٌ من مفعولٍ « تَتوفَّاهُمُ »، و « تَتوفَّاهُمُ » يجوز أن يكون مستقبلاً على بابه؛ إن كان القول واقعاً في الدنيا، وإن كان ماضياً على حكاية الحال إن كان واقعاً يوم القيامةِ.
قوله « فألْقوا » يجوز فيه أوجهٌ :
أحدها : أنه خبر الموصول، وقد تقدم فساده.
الثاني : أن يكون عطفاً على « قَالَ الَّذِينَ ».
الثالث : أن يكون مستأنفاً، والكلام قد تمَّ عند قوله :« أنْفُسهمْ » ثمَّ عاد بقوله :« فألْقَوا » إلى حكاية كلام المشركين يوم القيامة؛ فعلى هذا يكون قوله :﴿ قَالَ الذين أُوتُواْ العلم ﴾ إلى قوله « أنْفُسهِمْ » جملة اعتراضٍ.
الرابع : أن يكون معطوفاً على « تَتوفَّاهُم » قاله أبو البقاءِ.