أولها : أنه يُسوِّدُّ وجهه.
ثانيها : أنَّه يختفي عن القوم من شدَّة نفرته عنها.
وثالثها : يقدم على قتلها مع أنَّ الولد محبوبٌ بالطبع، وذلك يدلُّ على أنَّ النفرة من البنت تبلغ مبلغاً لا مزيد عليه، فالشيء الذي يبلغ الاستنكاف عنه إلى هذا الحدِّ العظيم، كيف يليقُ بالعاقل أن ينسبه لإله العالم القديم المقدَّس العالي عن مشابهة جميع المخلوقات؟.
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى ﴾ [ النجم : ٢١، ٢٢ ].

فصل


قال القرطبيُّ : ثبت في صحيح مسلم أنَّ النبي ﷺ قال :« من ابتُلِي من البَناتِ بشيءٍ، فأحْسنَ إليْهِنَّ كُنَّ لهُ سِتْراً من النَّارِ ».
وعن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال : قال رسُول الله ﷺ « مَنْ عَالَ جَارِيتيْنِ حتَّى تَبلُغَا، جَاء يَوْمَ القِيامةِ أنَا وهُوَ كهَاتيْن، وضمَّ أصَابعهُ » أخرجهما مسلم.

فصل


قال القاضي :« دلَّت هذه الآية على بطلانِ الجبر؛ لأنَّهم يضيفون إلى الله - تعالى - من الظُّلمِ، والفواحش ما إذا أضيف إلى أحدهم أجهد نفسه في البراءة منه، والتَّباعد عنه، فحكمهم في ذلك مشابهٌ لحكم هؤلاء المشركين، بل أعظم؛ لأنَّ إضافة البنات إلى الله إضافة قبح واحد، وذلك أسهل من إضافة كل القبائح والفواحش إلى الله - تعالى - ».
وجوابه : لما ثبت بالدَّليل استحالة الصاحبة والولد على الله أردفه الله - تعالى - بذكر هذا الوجه الإقناعي، وإلا فليس كل ما قبح في العرف قبح من الله - تعالى - ألا ترى أنَّه لو زيَّن رجلٌ إماءه، وعبيده، وبالغ في تحسين صورهم، ثمَّ بالغ في تقوية الشَّهوةِ فيهم وفيهن، ثم جمع بين الكل، وأزال الحائل، والمانع، فإنَّ هذا بالاتِّفاقِ حسن من الله - تعالى - وقبيح من كلِّ الخلق، فعلمنا أنَّ التعويل بالوجوه المبنية على العرف إنَّما تحسن إذا كانت مسبوقة بالدَّلائل القطعيَّة اليقينيَّة، وقد ثبت بالبراهين القطعيَّة امتناع الولد على الله، فلا جرم حسنت تقويتها بهذه الوجوه الإقناعية.
وأمَّا أفعال العباد فقد ثبت بالدَّلائل القطعيَّة أنَّ خالقها هو الله سبحانه وتعالى فكيف يمكن إلحاق أحد البابين بالآخر.
ثم قال :﴿ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة مَثَلُ السوء ﴾ والمثلُ السُّوءِ : عبارة عن الصِّفةِ السوء، وهي احتياجهم إلى الولدِ، وكراهيتهم الإناث خوفاً من الفقر والعار ﴿ وَلِلَّهِ المثل الأعلى ﴾، أي : الصِّفة العالية المقدسة، وهي كونه تعالى منزّهاً عن الولد.
قال ابن عباس - رضي الله عنه- : مثل السُّوءِ : النَّار، والمثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله ﴿ وَهُوَ العزيز الحكيم ﴾.
فإن قيل : كيف جاء ﴿ وَلِلَّهِ المثل الأعلى ﴾ مع قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال ﴾ [ النحل : ٧٤ ].
فالجواب : أنَّ المثل الذي يضربهُ الله حقٌّ وصدقٌ، والذي يذكره غيره باطل.


الصفحة التالية
Icon