قال المحققون - رضي الله عنهم- : اعتبار حدوث اللَّبن كما يدلُّ على وجود الصَّانع المختار، فكذلك يدل على إمكان الحشر والنشر؛ لأنَّ العشب الذي يأكله الحيوان إنَّما يتولد من الماء والأرض، فخالق العالم دبَّر تدبيراً آخر، فقلب ذلك العشب دماً، ثم دبَّر تدبيراً آخر فقلب ذلك الدَّم لبناً خالصاً، ثمَّ أحدث من ذلك اللبن الدهن والجبن، وهذا الاستقرار يجل على أنه - تعالى - قادرٌ على تقليب هذه الأجسام من صفة إلى صفة، ومن حالة غلى حالة، وإذا كان كذلك، لم يمتنع أيضاً أن يكون قادراً على قلب أجزاء ابدان الموات إلى صفة الحياة والعقل كما كانت قبل ذلك، فبهذا الاعتبار يدلُّ من هذا الوجه على أنَّ البعث والقيامة أمرٌ ممكنٌ غير ممتنع.
قوله :﴿ وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه متعلق بمحذوف، فقدَّره الزمخشري : ونسقيكم من ثمرات النَّخيل والأعناب، أي : من عصيرها؛ وحذف لدلالة « نُسْقِيكُمْ » قبله عليه قال :« وتتَّخِذون بيان وكشف عن كيفية الإسقاء ».
وقدَّره ابو البقاء : خلق لكم أو جعل لكم وما قدَّره الزمخشري أليقُ.
لا يقال : لا حاجة إلى تقدير نسقيكم، بل قوله :« ومِنْ ثَمراتِ » عطف على قوله :« ممَّا في بُطونهِ » فيكون عطف بعض متعلقات الفعل الأوّل على بعض؛ كما تقول : سَقيْتُ زيْداً من اللَّبنِ ومن العسَلِ، فلا يحتاج إلى تقدير فعل قَبْل قولك : من العسل.
لا يقال ذلك؛ لن « نُسْقِيكُمْ » الملفوظ به وقع تفسير ل « عِبْرَة » الأنعام، فلا يليق تعلُّق هذا به؛ لأنه ليس من العبرة المتعلِّقة بالأنعام.
قال أبو حيان : وقيل : متعلق ب « نُسْقِيكُمْ » فيكون معطوفاً على ممَّا في بُطونهِ « أو : ب » نسقيكم « محذوفة دلَّ عليها » نُسْقِيكُمْ « انتهى.
ولم يعقبه تنكير، وفيه ما تقدَّم.
الثاني : أنه متعلق ب »
تتَّخذُونَ «، و » مِنْهُ « تكرير للظرف توكيداً؛ نحو : زيْدٌ في الدَّار فيها، قاله الزمخشري - رحمه الله تعالى - وعلى هذا فالهاء في » مِنْهُ « فيها ستَّة أوجه :
أحدها : أنها تعود على المضاف المحذوف الذي هو العصير؛ كما رجع في قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon