﴿ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٥٤ ] وقوله :﴿ فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ ﴾ [ النور : ٦١ ]، أي : بعضكم بعضاً؛ ونظيره :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ [ الروم : ٢١ ].
قال الأطباء وأهل الطبيعة : المنيُّ إذا انصبَّ إلى الخصية اليمنى من الذَّكر، ثم انصبَّ منه إلى الجانب الأيمن من الرَّحم، كان الولدُ ذكراً تامًّا، وإن انصبَّ إلى الخصية اليسرى، ثمَّ انصبَّ منها إلى الجانب الأيسر من الرَّحم، كان الولد أنثى تامًّا في الأنوثة، وإن انصبَّ منها إلى الخصية اليمنى، وانصبَّ منها إلى الجانب الأيسر من الرَّحم، كان ذكراً في طبيعة الإناث، وإن انصبَّ إلى الخصية اليسرى، ثم انصبَّ إلى الجانب الأيمن من الرَّحم، كان هذا الولدُ أنثى في طبيعة الذُّكور.
وحاصل كلامهم : أن الذُّكور الغالب عليها الحرارة واليبوسة، والغالب على الإناثِ البرودة والرطوبة، وهذه العلَّة ضعيفة، فإنَّا رأينا في النِّساء من كان مزاجه في غاية السُّخونة، وفي الرِّجالِ من كان مزاجه في غاية البرودة، ولو كان الموجب للذُّكورة والأنوثة ذلك، لامتنع ذلك؛ فثبت أنَّ خالق الذَّكر والأنثى هو الإله القادر الحكيم.
قوله :« وَحفَدةً » فيه أوجه :
أظهرها : أنه معطوف على « بَنِينَ » بقيد كونه من الأزواج، وفسِّر هذا بأنَّه أولاد الأولاد.
الثاني : أنه من عطف الصفات لشيء واحد، أي : جعل لكم بنين خدماً، والحفدة : الخدم.
الثالث : أنه منصوب ب « جَعَلَ » مقدَّرة، وهذا عند من يفسِّر الحفدة بالأعوان والأصهار، وإنما احتيج إلى تقدير « جَعَلَ » ؛ لأن « جَعَلَ » الأولى مقيَّدة بالأزوا، والأعوانُ والأصهارُ ليسوا من الأزواج، والحفدة : جمع حافدٍ؛ كخادمٍ وخَدم.
قال الواحدي - C- :« ويقال في جمعه : الحفد بغير هاءٍ؛ كما يقال : الرَّصد، ومعنى الحفدة في اللغة : الأعوان والخدم ».
وفيهم للمفسِّرين أقوال كثيرة، واشتقاقهم من قولهم : حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً وحُفُوداً وحَفَداناً، أي : أسرع في الطَّاعة، وفي الحديث :« وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ »، أي : نُسرع في طَاعتِكَ؛ وقال الآخر :[ الكامل ]

٣٣٤٤- حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلهُنَّ وأسْلِمَتْ بأكُفِّهِنَّ أزِمَّةُ الأجْمالِ
ويستعمل « حَفَدَ » أيضاً متعدياً؛ يقال : حَفدنِي فهو حافدٌ؛ وأنشد أيضاً :[ الرمل ]
٣٣٤٥- يَحْفدُونَ الضَّيْفَ في أبْيَاتِهِمْ كَرماً ذلِكَ مِنهُمْ غَيْرَ ذُلْ
وحكى أبو عبيدة أنه يقال : أحفد رباعيًّا، وقال بعضهم : الحَفدةُ الأصهارُ؛ وأنشد :[ الطويل ]
٣٣٤٦- فَلوْ أنَّ نَفْسِي طَاوعَتْنِي لأصْبحَتْ لهَا حَفدٌ ممَّا يُعَدُّ كَثِيرُ
ولَكنَّهَا نَفْسٌ عليَّ أبيَّةٌ عَيُوفٌ لإصْهَارِ اللِّئامِ قَذُورُ
ويقال : سَيفٌ مُحْتَفِدٌ، أي : سريعُ القطع؛ وقال الأصمعي : أصل الحفد مقاربة الخُطَى.
قوله :﴿ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطيبات ﴾ ولمَّا ذكر إنعامه على عبيده بالمنكوح وما فيه من المنافع والمصالح، ذكر إنعامه عليهم بالمطعومات الطبية، و « مِنْ » في « مِنَ الطَّيباتِ » للتبعيض.
ثم قال ﴿ أفبالباطل يُؤْمِنُونَ ﴾ قال ابن عبَّاس - رضي الله عنه - يعني : بالأصنام وقال مقاتل : يعني : بالشيطان، وقال عطاء : يصدِّقون أن لي شريكاً وصاحبة وولداً.


الصفحة التالية
Icon