﴿ وَبِنِعْمَةِ الله هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ أي : بأن يضيفوها إلى غير الله ولا يضيفونها إلى الله، وقيل : يكفرون بالتَّوحيد والإسلام.
وقيل : يحرِّمون على أنفسهم طيِّباتٍ أحلَّها الله لهم؛ مثل : البَحيرَة والسَّائبةِ والوَصِيلَة والحَامِ، ويبيحون لأنفسهم محرَّمات حرمها الله عليهم، وهي الميتة ولحم الخنزير ﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب ﴾ [ المائدة : ٣ ]، أي : يجحدون ويكفرون إنعام الله في تحليل الطيِّبات وتحريم الخبائث، ويحكمون بتلك الأحكام الباطلة.
قوله - تعالى- :﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً ﴾ الآية لمَّا شرح الدَّلائل الدالة على صحَّة التَّوحيد، وأتبعها بذكر أقسام النِّعم العظيمة، أتبعها بالردِّ على عبدة الأصنام؛ قال ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السماوات ﴾ يعني : المطر والأرض، ويعني النَّبات والثِّمار.
قوله تعالى :﴿ مِّنَ السماوات ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلق ب « يَمْلِكُ »، وذلك على الإعرابين الأولين في نصب « شَيْئاً ».
الثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه صفة ل « رِزْقاً ».
الثالث : أن يتعلق بنفس « رِزْقاً » إن جعلناه مصدراً.
وقال ابن عطية - بعد أن ذكر إعمال المصدر منوناً- : والمصدر يعمل مضافاً باتِّفاق؛ لأنه في تقدير الانفصال، ولا يعمل إذا دخله الألف واللاَّم؛ لأنه قد توغَّل في حال الأسماء وبعد عن الفعليَّة، وتقدير الانفصال في الإضافة حسن عمله؛ وقد جاء عاملاً مع الألف واللام في قول الشاعر :[ المتقارب ]

٣٣٤٧- ضَعِيفُ النِّكايَةِ أعْدَاءَهُ ...................
وقوله :[ الطويل ]
٣٣٤٨-................... .......... فَلمْ أنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعَا
قال أبو حيَّان : أما قوله :« باتِّفاقٍ » إن عنى به من البصريين، فصحيحٌ، وإن عنى به من النَّحويين، فليس بصحيح؛ إذْ قد ذهب بعضهم غلى أنَّه وإن أضيف لا يعمل، فإن وجد بعده منصوب أو مرفوع قدَّر له عاملاً، وأما قوله :« في تقدير الانفصال » فليس كذلك، إلا أن تكون إضافته غير محضة؛ كما قال به ابن الطراوة وابن برهان، ومذهبهما فاسد؛ لأن هذا المصدر قد نعت وأكد بالمعرفة، وقوله :« لا يعمل... إلى آخره » ناقضه بقوله :« وقد جاء عاملاً... إلى آخره ».
قال شهاب الدِّين : فغاية ما في هذا أنَّه نحا إلى أقوال قال بها غيره، وأمَّا المناقضة، فليست صحيحة؛ لأنه عنى أولاً أنَّه لا يعمل في السَّعة، وثانياً أنه قد جاء عاملاً في الضرورة، ولذلك قيَّده فقال :« في قول الشَّاعر ».
قوله :« شَيْئاً » فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : انه منصوبٌ على المصدر، أي : لا يملك لهم ملكاً، أي : شيئاً من الملك.
والثاني : أنه بدلٌ من « رِزْقاً » أي : لا يملك لهم رزقاً شيئاً، وهذا غير مقيَّد؛ إذ من المعلوم أن الرزق شيء من الأشياء، ويؤيِّد ذلك أن اببدل يأتي لأحد معنيين : البيان أو التَّأكيد، وهذا ليس فيه بيان؛ لأنه أعمٌّ، ولا تأكيد.


الصفحة التالية
Icon