والأثاث : متاع البيت إذا كان كثيراً، وأصله : مِنْ أثَّ الشعرُ والنَّباتُ؛ إذا كشفا وتكاثرا؛ قال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٣٣٥٤- وفَرْعٍ يُغَشِّي المَتْنَ أسْودَ فَاحمٍ أثِيثٍ كَقِنْوِ النَّخلَةِ المُتعَثْكِلِ
ونساءٌ أثائِثُ، أي : كثيرات اللحم كأنّ عليهن أثاثاً، وفلان كثر أثاثهُ. وقال الزمخشري : الأثاث ما جدَّ من فرش البيت، والخُرثيُّ : ما قدم منها؛ وأنشد :[ البسيط ]
٣٣٥٥- تَقادمَ العَهْدُ من أمِّ الوليدِ بِنَا دَهْراً وصَارَ أثَاثُ البيتِ خُرثِيَّا
وهل له واحدٌ من لفظه؟ فقال الفراء : لا، وقال أبو زيد : واحده أثاثة وجمعه في القلَّة : أثثة؛ ك « بَتَات » و « أبتَّة »، وقال أبو حيَّان : وفي الكثير على أثث، وفيه نظر؛ لأن « فعالاً » المضعَّف يلزم جمعة على أفعلة في القلَّة والكثرة، ولا يجمع على « فُعُل » إلا في لفظتين شذَّتا، وهما : عُيُن وحُجُج جمع عيَّان وحجَّاج، وقد نص النحاة على منع القياس عليهما، فلا يجوز : زمام وزُمُم بل أزمَّة وقال الخليل : الأثاث والمتاع واحد، وجمع بينهما لاختلاف لفظهما؛ كقوله :[ الوافر ]
٣٣٥٦-.................. وألْفَى قَوْلهَا كَذِباً ومَيْنَا
وقوله :[ الطويل ]
٣٣٥٧-.................. وهِنْدٌ أتَى من دُونِهَا النَّأيُ والبُعْدُ
وقيل : متاعاً : بلاغاً ينتفعون به، « إلى حين » يعني : الموت، وقيل : إلى حين البِلَى.
قوله - تعالى- :﴿ والله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً ﴾ الآية فالإنسانُ إما أن يكون مقيماً أو مسافراً، والمسافر إمَّا أن يكون غنيًّا يستصحب معه الخيام أو لا.
فالقسم الأول أشار إليه بقوله :﴿ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً ﴾، وأشار إلى القسم الثاني بقوله :﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتاً ﴾ وأشار إلى القسم الثالث بقوله تعالى :﴿ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً ﴾ فإن المسافر إذا لم يكن له خيمة يستظل بها، فإنَّه لا بد وأن يستظلَّ إما بجدار أو شجرٍ أو بالغمامِ؛ كما قال - سبحانه- :﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغمام ﴾ [ الأعراف : ١٦٠ ].
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أَكْنَاناً ﴾ جمع « كِنّ » ؛ وهو ما حفظ من الرِّيحِ والمطرِ، وهو في الجبل : الغار، وقيل : كلُّ شيءٍ وقَى شيْئاً، ويقال : اسْتكن وأكَنّ، إذا صار في كنٍّ.
واعلم أ بلاد العرب شديدة الحرِّ، وحاجتهم إلى الظلِّ ودفع الحرِّ شديدة؛ فلهذا ذكر الله - تعالى - هذه المعاني في معرض النِّعمة العظيمة، وذكر الجبال ولم يذكر السهول وما جعل لهم من السهول أكثر؛ لأنهم كانوا أصحاب جبال، كما قال - تعالى- :﴿ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ ﴾ ؛ لأنَّهم كانوا أصحاب وبر وشعر، كما قال - تعالى- :﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾ [ النور : ٤٣ ] وما أنزل من الثلج أكثر لكنهم كانوا لا يعرفون الثَّلج. وقال ﴿ تَقِيكُمُ الحر ﴾ وما يَقِي من البرد أكثر؛ لأنهم كانوا أصحاب حرٍّ.


الصفحة التالية
Icon