قوله :﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ﴾ الآية لما بيَّن أنهم عرفوا نعمة الله ثمَّ أنكروها، وذكر أن أكثرهم كافرون أتبعه بذكر الوعيد؛ فذكر حال يوم القيامة.
قوله :﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ ﴾ فيه أوجه :
أحدها : منصوب بإضمار « اذْكُرْ ».
الثاني : بإضمار « خوفهم ».
الثالث : تقديره : ويوم نبعث، وقعوا في أمر عظيم.
الرابع : أنه معطوف على ظرف محذوف، أي : ينكرونها اليوم ويوم نبعث.
والمراد بأولئك الشهداء : الأنبياء - صلوات الله عليهم؛ كما قال - سبحانه وتعالى- :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ].
قوله :﴿ ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ قال الزمخشري :« فإن قلت : ما معنى » ثُمَّ « هذه؟ قلت : معناه : أنهم يُمْنَعُونَ بعد شهادة الأنبياء عليه السلام بما هو أطمّ منه، وهو أنهم يمنعون الكلام، فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا [ إدلاء ] حجة :. انتهى.
ومفعول الإذن محذوف، أي : لا يؤذن لهم في الكلام؛ كما قال - تعالى- :﴿ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [ المرسلات : ٣٦ ] أي : في الرُّجوع إلى الدنيا.
وقيل : لا يؤذنُ لهم في الكلام أصلاً، ﴿ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ أي : لا تزال عتابهم وهي ما يعتبون عليها ويلامون؛ يقال : اسْتَعْتَبْتُ فلاناً بمعنى : أعْتَبْتُه، أي : أزلت عُتْبَاه، و »
اسْتَفْعَل « بمعنى :» أفْعَلَ « غير مستنكرٍ، قالوا : اسْتدنَيتُ فلاناً وأدْنَيتهُ بمعنًى واحد.
وقيل : السِّين على بابها من الطَّلب، ومعناه : أنهم لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدُّنيا، فهذا استعتاب معناه طلب عتابهم.
وقال الزمخشري »
ولا هم يسترضون، أي : لا يقال لهم : أرضوا ربكم؛ لأن الآخرة ليست بدار عمل «. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله - تعالى - في سورة حم السجدة؛ لأنه أليق لاختلاف القراء فيه. ثم إنَّه - تعالى - أكَّد هذا الوعيد فقال :﴿ وَإِذَا رَأى الذين ظَلَمُواْ العذاب ﴾ أي : أن هؤلاء المشركين إذا رأوا العذاب ووصلوا إليه، فعند ذلك ﴿ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ ولا يؤخِّرون ولا يمهلون؛ لأن التوبة هناك غير موجودة.
قوله :»
فَلا يُخَفَّفُ « هذه الفاء وما حيِّزها جواب » إذَا «، ولا بدَّ من إضمار مبتدأ قبل هذه الفاء، أي : فهو لا يخفف؛ لأن جواب » إذا « متى كان مضارعاً، لم يحتج إلى فاء سواء كان موجباً؛ كقوله - تعالى - :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ ﴾ [ الحج : ٧٢ ] أم منفيًّا؛ نحو :» إذَا جَاءَ زَيْدٌ لا يكرمك «.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأى الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ ﴾ وهذا من بقيَّة وعيد المشركين، وفي الشركاء قولان :
الأول : أن الله - تعالى- : يبعث الأصنام فتكذِّب المشركين، ويشاهدونها في غاية الذُّلِّ والحقارة، وكل ذلك مما يوجب زيادة الغمِّ والحسرة في قلوبهم.


الصفحة التالية
Icon