والثاني : أن المراد بالشركاء : الشَّياطين الذين دعوا الكفَّار إلى الكفر؛ قاله الحسن - رضي الله عنه -، وإنَّما ذهب إلى هذا القول؛ - لأنه - تعالى - حكى عن الشركاء أنَّهم كذَّبوا الكفار، والأصنام جمادات فلا يصحُّ منهم هذا القول.
وهذا بعيد؛ لأن الله - تعالى - قادرٌ على خلق الحياة في الأصنام وعلى خلق العقل والنُّطق فيها.
قوله :﴿ وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم ﴾ العامة على فتح السين واللام.
وقرأ أبو عمرو في رواية بسكون اللام، ومجاهد بضمِّ السين واللام، وكأنَّه جمع سلام؛ نحو : قُذال وقُذُل، والسَّلَمُ واحد، وقد تقدَّم الكلام عليهما في سورة النساء.

فصل


والمعنى : أن المشركين إذا رأوا تلك الشُّركاء، ﴿ قَالُواْ رَبَّنَا هؤلاءآء شُرَكَآؤُنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِك ﴾، وفائدة هذا القول من وجهين :
الأول : قال أبو مسلم - C- :« مقصود المشركين إحالةُ الذَّنب على الأصنام؛ ظنًّا منهم أن ذلك ينجيهم من عذاب الله، أو ينقص من عذابهم، عند هذا تكذِّبهم تلك الأصنام ».
قال القاضي :« هذا بعيدٌ؛ لأن الكفار يعلمون علماً ضروريًّا في الآخرة أنَّ العذاب ينزل بهم، ولا ينفعهم فدية ولا شفاعة ».
والثاني : أن المشركين يقولون هذا الكلام تعجُّباً من حضور تلك الأصنام، مع أنه لا ذنب لها، واعترافاً بأنَّهم كانوا مخطئين في عبادتها.
ثم حكى - تعالى - انَّ الأصنام يكذبونهم، فقال :﴿ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾، والمعنى : أنه - تعالى - يخلق الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام فيلقوا إليهم، أي : يقولون لهم :« إنَّكُم لكَاذِبُونَ ».
فإن قيل : إن المشركين لم يقولوا، بل أشاروا إلى اًنام، فقالوا : هؤلاء شركاؤنا الذين كنَّا ندعو من دونك، وقد كانوا صادقين في كلِّ ذلك، فكيف قالت الأصنام طإنَّكم لكَاذبُونَ « ؟.
فالجواب من وجوه :
أصحها : أن المراد من قولهم :»
هؤلاء شُركاؤنَا «، أي : أنَّ هؤلاء هم الَّذين كنَّا نقول : إنهم شركاء الله في المعبودية، فالأصنام كذَّبوهم في إثبات هذه الشركة.
وقيل : المراد : إنَّهم لكاذبون في قولهم : إنَّا نستحقُّ العذاب بدليل قوله - تعالى - ﴿ كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ ﴾ [ مريم : ٨٢ ].
ثم قال :﴿ وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم ﴾ قال الكلبي : استسلم العابد والمعبود، وأقرُّوا لله بالرُّبوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد.
وقيل : استسلم المشركون يومئذ إلى الله تعالى وإنفاذ الحكمة فيهم ولم تغنِ عنهم آلهتهم شيئاً، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ : زال عنهم ما كانوا يفترون من أنَّها تشفع لهم عند الله، وقيل : ذهب ما زيَّن لهم الشيطان من أن لله صاحبة وشريكاً.
وقوله :﴿ الذين كَفَرُواْ ﴾ يجوز أن يكون مبتدأ، والخبر »
زِدنَاهُم « وهو واضح، وجوَّز ابن عطية أن يكون » الَّذينَ كَفروا « بدلاً من فاعل » يَفْترُونَ «، ويكون » زِدْناهُم « مستأنفاً.


الصفحة التالية
Icon