والمعنى : أنَّها لم تكلَّ عن العمل، ولا حين عملت كفَّت عن النقض، فكذلك أنتم إذا نقضتم العهد لا كفَّيتم عن العهد، ولا حين [ عهدتم ] وفيتم به.
وقيل : المراد بالمثل : الوصف دو التَّعيين؛ لأن القصد بالأمثال صرف المكلَّف عن الفعل إذا كان قبيحاً، والدُّعاء إليه إذا كان حسناً، وذلك يتم دون التَّعيين.
قوله تعالى :« أنكاثاً » فيه وجهان :
أظهرهما : أنه حال من « غَزلِهَا »، والأنْكَاثُ : جمع نِكْث بمعنى منكُوث، أي : منقوض.
والثاني : أنه مفعول ثان لتضمين « نَقضَتْ » معنى صيَّرت؛ كما تقول : فرقته أجزاء.
وجوَّز الزجاج فيه وجهاً ثالثاً، وهو النصب على المصدرية؛ لأنَّ معنى نكثت : نقضت، ومعنى نقضت : نكثت؛ فهو ملاق لعامله في المعنى.
قيل : وهذا غلط منه؛ لأنَّ الأنكاث جمع نكث، وهو اسمٌ لا مصدر، فكيف يكون قوله :« أنْكَاثاً » بمعنى المصدر؟.
والأنْكَاث : الأنقاض، واحدها نِكْث؛ وهو ما نقض بعد الفتل غزلاً كان أو حبلاً.

فصل


قال ابن قتيبة : هذه الآية متَّصلة بما قبلها، والتقدير : وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، فإنَّكم إن فعلتم ذلك، كنتم مثل امرأة غزلت غزلاً وأحكمته، فلما استحكم، نقضته فجعلته أنكاثاً.
قوله تعالى :﴿ تَتَّخِذُونَ ﴾ يجوز أن يكون الجملة حالاً من واو « تكونوا »، أو من الضمير المستتر في الجارِّ؛ إذ المعنى : تكونوا مشبهين كذا حال كونكم متَّخذين، وهذا استفهام على سبيل الإنكار.
قوله :« دَخَلاً بَيْنكُمْ » هو المفعول الثاني ل « تَتَّخِذُونَ »، والدَّخلُ : الفساد والدَّغل.
وقيل :« دَخَلاً » مفعول من أجله، وقيل : الدَّخل : الدَّاخل في الشيء ليس منه.
قال الواحدي - رحمه الله تعالى - :« الدَّخلُ والدَّغلُ : الغِشُّ والخِيانةُ ».
وقيل : الدَّخل : ما أدخل في الشيء على فسادٍ، وقيل : الدَّخل والدَّغل : أن يظهر الوفاء به ويبطن الغدر والنقض.
وقوله تعالى :« أنْ تَكُونَ » أي : بسبب أن تكون، أو مخافة أن تكون، و « تكون » يجوز أن تكون تامة؛ فتكون « أمَّةٌ » فاعلها، وأن تَكُونَ ناقصة، فتكون « أمَّةٌ » اسمها وهي مبتدأ، و « أرْبَى » خبره، والجملة في محلِّ نصب على الحال على الوجه الأول، وفي موضع الجر على الوجه الثاني، وجوَّز الكوفيون أن تكون « أمَّةٌ » اسمها، و « هِيَ » عماد، أي : ضمير فصل، و « أرْبَى » خبر « تَكونُ »، والبصريُّون لا يجيزون ذلك؛ لأجل تنكير الاسم، فلو كان الاسم معرفة، لجاز ذلك عندهم.

فصل


قال مجاهد - رحمه الله - : كانوا يحالفون الحلفاء، فإذا وجدوا قوماً أكثر منهم وأعزَّ، نقضوا حلف هؤلاء، وحالفوا الأكثر، فالمعنى : طلبتم العز بنقص العهدِ؛ بأن كانت أمة أكثر من أمةٍ، فنهاهم الله - تعالى - عن ذلك.


الصفحة التالية
Icon