ثم قال :﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ ﴾ قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما- :« يطيعونه، يقال : توليته، أي : أطعته، وتولَّيت عنه، أي : أعرضت عنه.
قوله :﴿ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ الضمير في »
بِهِ « الظاهر عوده على الشيطان، لتتحد الضمائر، و المعنى : والذين هم به مشركون بسببه؛ كما تقول للرجل إذا تكلَّم بكلمة مؤدِّية إلى الكفر : كفرت بهذه الكلمة، أي : من أجلها؛ فكذلك قوله :﴿ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ والمعنى : من أجل حمله إيَّاهم على الشِّرك صاروا مشركين.
وقيل : والذين هم بإشراكهم إبليس مشركون بالله، ويجوز أن يعود على »
ربِّهِمْ «.
قوله :﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ﴾ والتَّبدِيل : رفع الشيء مع وضع غيره مكانه، وهو هنا النسخ.
قوله :﴿ والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ﴾ في هذه الجملة وجهان :
أظهرهما : أنها اعتراضٌ بين الشرط وجوابه.
والثاني : أنَّها حاليَّة؛ فعلى الأول يكون المعنى : والله أعلم بما ينزِّل من الناسخ والمنسوخ، والتغليظ والتخفيف، أي : هو أعلم بجميع ذلك في مصالح العباد، وهذا توبيخٌ للكفار على قولهم :»
إنَّما أنْتَ مُفْتَرٍ «، أي : إذا كان هو أعلم بما ينزِّل، فما بالهم ينسبون محمداً إلى الافتراء؛ لأجل التَّبديل والنسخ، وقوله :﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي : لا يعلمون حقيقة القرآن، وفائدة النسخ والتبديل، وأن ذلك لمصالح العباد، وقولهم :» إنَّما أنْتَ مُفتَرٍ « نسبوا إليه ﷺ الافتراء بأنواع من المبالغات وهي الحصر والخطاب، واسم الفاعل الدال على الثُّبوت والاستقرار، ومفعول » لا يعلمون « محذوف للعلم به، أي : لا يعلمون أنَّ في نسخ الشَّرائع وبعض القرآن حكماً بالغة.
قوله :﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس ﴾ تقدَّم تفسيره في البقرة.
قال الزمخشري رحمه الله :»
رُوحُ القدس : جبريل - صلوات الله وسلامه عليه - أضيف إلى القدس وهو الطُّهْر؛ كما تقول : حاتم الجُودِ، وزيد الخَيْرِ، والمراد : الرُّوح المقدس، وحاتم الدواد، وزيد الخيِّر «.
و »
مِنْ « في قوله :» مِن رَّبِّكَ « صلة للقرآن، أي أن جبريل نزَّل القرآن من ربك؛ ليثبِّت الذين آمنوا، أي : ليبلوهم بالنسخ، حتَّى إذا قالوا فيه : هو الحقُّ من ربِّنا، حكم لهم بثبات القدم في الدِّين، وصحَّة اليقين بأن الله حكيم فلا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب.
قوله تعالى :﴿ وَهُدًى وبشرى ﴾ يجوز أن يكون عطفاً على محلِّ »
لِيُثبِّتَ « فينصبان، أو على لفظه باعتبار المصدر المؤوَّل؛ فيجران، والتقدير : تثبيتاً لهم، وإرشاداً وبشارة، وقد تقدم كلام الزمخشري في نظيرهما وما ردَّ به أبو حيَّان عليه وجوابه.


الصفحة التالية
Icon