وجوَّز أبو البقاء ارتفاعهما خبر مبتدأ محذوف، أي : وهو هدى، والجملة حال وقرئ :« لِيُثبتَ » مخففاً من « أثْبَت ».

فصل


قد تقدَّم أن أبا مسلم الأصفهاني ينكر النسخ في هذه الشريعة، فقال : المراد ههنا : وإذا بدَّلنا آية مكان آية، أي : في الكتب المتقدمة؛ مثل آية تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الككعبة، قال المشركون : أنت مفترٍ في هذا التبديل، وأكثر المفسرين على خلافه، وقالوا : إن النسخ واقعٌ في هذه الشريعة.

فصل


قال الشافعي - رضي الله عنه - : القرآن لا ينسخ بالسنة؛ لقوله - تعالى- :﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ﴾ وهذا يقتضي أن الآية لا تنسخ إلا بآية أخرى، وهذا ضعيف؛ لأن هذه الآية تدلُّ على أنَّه - تعالى - يبدِّل آية بآيةٍ أخرى، ولا دلالة فيها على أنه - تعالى - لا يبدِّل آية إلا بآيةٍ، وأيضاً : فجبريل - عليه السلام - قد ينزل بالسنة كما ينزل بالآية.
قوله - تعالى- :﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾ الآية هذه حكاية شبهة أخرى من شبهات منكري نبوَّة محمد ﷺ ؛ وذلك لأنهم ك انوا يقولون : إن محمَّداً - صلوات الله وسلامه عليه - إنَّما يذكر هذه القصص، وهذه الكلمات إنما يستفيدها من إنسان آخر ويتعلمُّها منه.
واختلفوا في ذلك البشر : فقال ابن عباس - رضي الله عنه- : كان رسول الله ﷺ يعلِّم فتى بمكة اسمه « بلْعَام »، وكان نصرانيًّا أعجمي اللسان يقال له : أبو ميسرة، وكان يتكلم بالروميَّة، فكان المشركون يرون رسول الله ﷺ يدخل عليه ويخرج، فكانوا يقولون : إنما يعلمه « بلعام ».
وق لعكرمة : كان رسول الله ﷺ - يقرئ غلاماً لبني المغيرة، يقال له :« يَعِيش »، وكان يقرأ الكتب، فقالت قريش : إنما يعلمه « يَعِيش ».
وقال الفراء : كان اسمه « عائش » مملوك لحويطب بن عبد العزى، وكان قد أسلم وحسن إسلامه، وكان أجميًّا، وقيل : اسمه « عدَّاس » غلام « عتبة بن ربيعة ».
وقال ابن إسحاق : كان رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - كثيراً ما يجلس عند المروة إلى غلام روميٍّ نصراني عبد لبني الحضرمي، يقال له :« جَبْر »، وكان يقرأ الكتب، وقال عبد الله بن مسلم الحضرمي : كان لنا عبدان من أهل عين التَّمر، يقال لهما : يسار ويكنى : أبا فكيهة، وجبر، وكانا يصنعان السيوف بمكَّة، وكانا يقرآن التوراة والإنجيل، فربما مر بهما النبي ﷺ وهما يقرآن، فيقف ويسمع.


الصفحة التالية
Icon